الأنكى من الجهل هو الوعي السالب والثقافة المضادة للحياة، ومنها ثقافة النّكاية التي جرّت علينا كعرب كوارث ما؛ من حاسوب ذكي يحصيها، وقد تجلّت بعد ان فاضت عن حياتنا الاجتماعية في السياسة وبالتحديد في التجارب البرلمانية، بحيث لم تعد المقارنة بين الجيد والأجود بل بين الرديء والأردأ، وقد فازت في بعض الاقطار العربية احزاب وتيارات سياسية بفضل النكاية ما دام الناخب يضطر الى اختيار طرف ما لمجرد انه خصم لطرف آخر.
ولا تتضح رواسب وسيئات النكاية الا بعد ان تحقق هدفها العاجل والثأري، لان من قادته النكاية الى انتخاب من لا يريد يتورط باختياره وما من سبيل للتراجع او الاعتذار لأن الاوان يكون فات .
لقد بدأت المسألة من جذر تربوي به خلل عميق، وهناك مثل شعبي نعفّ عن ذكره يتعلق بالطهارة يختصر الحكاية، ولثقافة النكاية وما تفرزه من انماط سلوك بشري انعكاسات بالغة الخطورة على الجيل الذي ينشأ وهو مشحون وممتلىء بأدبياتها .
وان شئنا الذهاب الى ما هو أبعد في تحليل هذه الظاهرة، نقول: إنها ايضا من نتاج الثنائيات التي تتحكم بالذهنية العربية، والقول الشائع عن عدو عدوي هو حليفي ليس دقيقا الا بقدر انسجامه مع الفكر الثنائي الذي يخلو من الجدلية، فقد يكون للانسان عدة اعداء في وقت واحد، لأن اسباب العداء تتعدد، ومن كتبوا عن سايكولوجيا التخلف والقهر والزّجر توصلوا الى ان آفة هذه المحاصيل السوداء هي الاختزال والحكم بالجملة، لأن التفاصيل والفروق تتطلب درجة من الاستبصار لا يملكها المتخلفون الذين يعيشون تحت سطوة خانات يصنف فيها الناس الى انماط، لهذا لا يتردد المتخلفون في الحكم على شعب كامل من خلال فرد واحد منه تعاملوا معه، انهم كالعميان الذين يكون القطيع كله اسود امامهم .
ومن نتائج ثقافة النكاية فوز احزاب وتيارات سياسية ما كان لها ان تفوز لولا شهوة الانتقام وتصفية الحسابات مع خصومها .
اعرف ان السياسة وشجونها وبهلواناتها ابتلعت معظم مساحة الكتابة في العالم العربي، لكن ما يغيب عن ضحاياها هو انها مجرد افرازات لثقافة سائدة، وان لدينا من الظواهر الاجتماعية والنفسية ما هو اجدر واولى بالرّصد!!
الدستور