أمريكا .. السعودية .. إيران
اسعد العزوني
02-02-2016 04:37 PM
معروف أن أمريكا هي قطب الرحى والمحور في هذه المنطقة ، في حين أن كلا من العربية السعودية وإيران ، هما قطبا المنطقة اللذان يدوران حولها كأقوى دولتين في هذا الإقليم ، بعد شطب العراق من الخارطة السياسية ، وهناك إنجذاب سعودي تكرس منذ لقاء البحر المعروف بين قيادتي البلدين في سابق الآجال والذي أسس لعلاقة سعودية – أمريكية متميزة ، إذ التقى مؤسس السعودية الملك عبد العزيز آل سعود مع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت ، على سطح السفينة في البحيرات المرة بمصر إثر عودة آل سعود من يالطا عام 1945.
أما بخصوص العلاقة الإيرانية - السعودية ، فإنها تمر بحالة تقاطع ، بعد أن كان التجاذب على أوجه إبان عهد الشاه المقبور ، الذي تمرد على أمريكا وحاول نسج شراكة معها ، بدلا من أن يكون وكيلا ، ومن ضمن مطالبه أن يشن حربا على الإتحاد السوفييتي السابق لإستراجاع جبل إيراني محتل .
عندما تأكد لواشنطن أن الشاه ماض في طريقه ولن يوقفه أحد ، تخلت عنه ، ونجحت ثورة الخميني في تسليم الحكم في إيران للملالي أو ما يطلق عليه "ولاية الفقيه "، وعند ذلك إنتهى شهر العسل الإيراني - الأمريكي الطويل ، رغم مكاتة إيران عند أمريكا ، وما كان شاه إيران يقدمه من خدمات لا تحصى ولا تنسى لأمريكا ، ولا يغيبن عن البال أن شاه إيران المقبور كان شرطي الخليج بلا منازع .
بعد زوال حكم الشاه أصبح شعار الملالي في إيران : "الموت لأمريكا وإسرائيل "، وقام الحكم الجديد في إيران بطرد الإسرائيليين من سفارتهم بطهران وتسليمها لمنظمة التحرير الفلسطينية ، كما قام الطلبة الإيرانيون بإحتجاز 52 مواطنا امريكيا كرهائن في صحراء طبز ، لمدة 444 يوما من 4 تشرين ثاني /نوفمبر 1979 حتى 21 كانون ثاني /يناير 1981، بعد فشل محاولة سرية أمريكية لإنقاذهم ، أطلق عليها إسم "مخلب النسر "في 24 أيلول /سبتمبر 1980 ، راح ضحيتها ثمانية جنود أمريكيين ، وإنتهت الأمور بتوقيع إتفاق الجزائر يوم 19 كانون ثاني /يناير 1981 ، وأدت بطبيعة الحال إلى هزيمة الرئيس جيمي كارتر ، ونجاح رونالد ريغان.
إستمر العداء وإستفحل بين حكم املالي في طهران وأمريكا ، إلى أن جرى التوقيع قبل أشهر على الإتفاق النووي بين إيران وكل من الغرب وأمريكا ، أو ما يعرف "5+1"، فيما كان الإنجذاب السعودي –الأمريكي ، يتجذر في أعماق العلاقات الثنائية والمصالح المعروفة ، وكانت السعودية لما لها من ثقل ديني أولا ومادي ثانيا ، هي الوحيدة القادرة على تنفيذ الرغبات الأمريكية.
هناك محطات مفصلية إقليمية لا بد من تسليط الأضواء عليها لمعرفة واقع الإقليم الجديد ، وأهمها قيام منظمة التعاون الإسلامي بإلغاء الجهاد في مؤتمر داكار الإسلامي أواسط ثمانينيات القرن المنصرم ، وإندلاع الحرب العراقية – الإيرانية قبل ذلك ، وإستمرت ثماني سنوات اكلت الأخضر قبل اليابس ، ولخبطت أوراق العالمين العربي والإسلامي على حد سواء تخللها غزو شارون للبنان ، وإحتلاله بيروت على مرآى ومسمع نظام الحكم في دمشق ، الذي لوث الأثير بتشدقه الكاذب بالقومية والعروبة وحب فلسطين ، وجرى غدر منظمة التحرير الفلسطينية ، بترحيل قواتها إلى الشتات وخاصة في تونس ، بناء على عقد عشري إنتهى عام 1992 ، حيث رفض بن علي تجديده ، وهذا ما إضطر القيادة الفلسطينية إلى التورط في أوسلو.
بعد إنتهاء الحرب العراقية – الإيرانية ، دخل الجيش العراقي إلى الكويت ، ما جعل أمريكا تقود تحالف حفر الباطن الثلاثيني لطرد القوات العراقية من الكويت ، وبعد حصار دام أكثر من عشر سنوات ، قادت أمريكا أيضا غزوا بربريا للعراق بمشاركة جيوش عربية وأوروبية بطبيعة الحال منها سوريا الأسد ومصر مبارك ، وجرى إحتلال وتدمير العراق وشطبه من على الخارطة ، وهذه النقلات النوعية التي أدت إلى تحولات في طريقة التفكير في الإقليم ، وأعادت كتابة تاريخ المنطقة ، ليست من صنع الشيطان بطبيعة الحال .
بعد توقيع إيران للإتفاق النووي مع الغرب وأمريكا ، أسقط بيد السعودية ، التي إكتشفت أن واشنطن غدرتها ، وقد حاولت بكل ماتملك من نفوذ تعطيل ذلك الإتفاق ، لكنها لم تنجح ، وبدأ الجرح السعودي ينزف ويكبر ، خاصة وأن المسؤولين الإيرانيين أعلنوا أكثر من مرة أن نفوذ إيران وصل إلى خمس عواصم عربية ، هي :بغداد والمنامة ودمشق وصنعاء وبيروت ، وكل هذه العواصم نقاط ضعف في الخاصرة السعودية.
لم تحتمل السعودية ما فعله الحوثيون في اليمن ، خاصة وانهم يتلقون الدعم طهران ، ولم تستطع السعودية إحتواءهم مع أن الحوثي الكبير كان من رواد القصور السعودية ، لكنه عندما حانت ساعة الجد ، إنقلب على الرياض وتحالف مع المخلوع علي عبد الله صالح.
عند ذلك أدركت السعودية أن عليها أن تلعب مع امريكا بطريقة فرض الأمر الواقع ، بدلا من تلقي المشورة والنصيحة ، فجهزت تحالفا عربيا وتدخلت في اليمن عسكريا ، لكنها قبل ذلك أعلمت أمريكا بذلك ولم تستشرها .
نتيجة لذلك رأينا "الصراع " السعودي – الإيراني يتعمق وخاصة بعد الإتفاق الإيراني النووي ، وقد خرج عن أطره المألوفة المتعارف عليها ، فبعد الحرب الباردة بين الطرفين ، رأينا السعودية تنفذ أحكاما بالإعدام ضد مواطنين سعوديين بتهمة التطرف ، يتقدمهم الشيخ نمر النمر ، فما كان من إيران إلا أن ردت بإحراق سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد.
عند ذلك إنفجر اللغم الحارق الخارق ، ورأينا التجييش وتشكيل تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب ، لم تكن إيران طرفا فيه بطبيعة الحال ، وقيل أنه لمهاجمة إيران ، وآخر ما رشح هنا وهناك هو أن أمريكا وإيران تخططان للقضاء على السعودية ، وإن صح ذلك ولم يكن "حكي جرايد "كما يقول المثل ، فإننا سنكون أمام إستحقاق أكبر من التوقعات ، وتصور أكبر من التخيلات ، لأننا لو إستندنا على حساب المصالح ، لخرجنا بنتيجة مفادها أن المفروض رؤية تحالف أمريكي –سعودي للقضاء على إيران ، وليس العكس.
نحن حاليا في وارد حساب القوة ، والعرب بمجملهم ليسوا أقوياء ، بل مجزأون مشتتون ضعفاء ، يتحدث بإسمهم 23 لسانا بعد إضافة السلطة الفلسطينة إلى الكوم ، بينما نرى إيران قوية موحدة إلى حين ، وينطق بإسمها رجل واحد.