تقول الأغنية الشعبية "الناس معادن ومن أغلى المعادن تلاقي ناس"، وهي كلمات تصدق تماما على بعض الناس الذين يدخلون إلى القلب دون استئذان، فلديهم ما يكفي من مفاتيح المحبة لكي يلجوا حتى وإن كانت الأبواب مفتوحة أمامهم، ومن هؤلاء رجل مثقف متواضع اعتاد أن يفتح أبوابه ولا يغلقها وأن يفتح قلبه للناس قبل أبوابه.. إنه الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، وزير الثقافة والتراث والفنون الذي أصبح يحمل لقب "وزير سابق".
هذا الرجل المثقف عبارة عن خلطة سحرية من الثقافة والعلم والجمال والتواضع والتواصل، فهو وزير ثقافة يستحق منصبه، أو على الأصح يستحقه المنصب، فهو أضاف إلى المنصب وارتقى به ولم يضف إليه، فكان رجلا مناسبا في المكان المناسب، فهو مثقف قبل أن يكون وزيرا ودبلوماسيا، جلب للمنصب أكثر مما أخذ منه.
على مدى سنوات كنت أحد رواد وزارة الثقافة، وكنت من أهل الدار، ولم أكن ضيفا، خاصة في الصالون الثقافي، وهو الصالون الذي كان يرعاه الدكتور حمد الكواري رعاية شخصية، يحضر ويتابع ويناقش في الجلسات، مناقشة تدل على المعرفة والقراءة والمتابعة والاطلاع، وفي معرض الكتاب تجده يتمشى وحده بلا "جوقة الهتيفة" أو "جيش من المرافقين" يتصفح الكتب ويتابع ويسال ويذلل الصعاب، لأنه كان يدرك أن أول مهمة لوزارة الثقافة هي رعاية الكتاب وأهله.
خرج الدكتور الكواري من الوزارة، لكنه ترك إرثا كبيرا ورائعا، وترك شبكة من العلاقات الواسعة، محليا وعربيا ودوليا، حاول خلالها مساعدة المثقفين والكتاب والأدباء، وحاول من الجهة الأخرى أن يستخدم هذه العلاقات لصالح قطر، الدولة والإنسان، فلم يغلق الأبواب دون أحد، حتى من الدول التي كانت تتخذ موقفا سلبيا من قطر، ما أسهم بخلق "محبين" لقطر في كل مكان من العالم العربي.
لم يكن أنانيا ولا نرجسيا، وكان يرى في المنصب وسيلة لخدمة الآخرين ومساعدتهم، وخدمة الثقافة والأدب والشعر، وهي خدمات لا تقدر بثمن، فكان الرجل النموذج، وخلق مدرسة من التواصل مع الجميع، لأنه أحبهم فأحبوه واحترموه، وأحبته الصحافة فكانت عونا له، دون أن يدفع لأحد درهما أو دينارا أو دولارا أو ريالا، فالمحبة لا يمكن أن تشترى بالمال.
الآن يتفرغ الدكتور حمد لحملته من أجل الفوز بمنصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، بغية الإسهام في تأمين التعليم الجيد للجميع والتعلم مدى الحياة، وتسخير المعارف والسياسات العلمية لأغراض التنمية المستدامة، وتعزيز التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات وثقافة السلام، والقضاء على الفقر، وهي المجالات التي يبرع فيها الدكتور حمد الكواري متعدد المواهب، فهو كاتب ومثقف وسياسي ودبلوماسي ومحاور ومفاوض، يجيد الانجليزية والفرنسية إلى جانب العربية طبعا، ولا شك أنه يستحق هذا المنصب الدولي الرفيع للوصول إلى الأهداف المرجوة. ولا شك أيضاً أن أمامه طريقا طويلا وشاقا للوصول إلى هذا المنصب الدولي المرموق.
سنوات طويلة قضاها الدكتور الكواري في العمل العام، منها 16 عاما وزيرا ناجحا وحيويا ومفعما بالنشاط، سألته ذات يوم عن رأيه في الوزارة، تبسم وقال لي: لطالما كنت أدعو إلى منح الفرصة للجيل الجديد ويجب أن أكون أنا أول من يغادر.. لقد حان وقت الشباب".
تحية للدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، الإنسان الذي لم تزده المناصب إلا تواضعا، والذي كسب الكثير والكثير من الأحبة في كل مكان، فحجز مكانا رفيعا ودائما في القلوب.