لماذا تركتم الحصان السعودي وحيدا!
د.عبد الناصر الخصاونة
01-02-2016 03:24 PM
هرع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى المملكة العربية السعودية حاملا إنحياز بلاده إلى جانب المملكة ضد التدخلات الإيرانية في المنطقة وتطاول طهران على السيادة السعودية في أعقاب إعدام ثلة من الخارجين على القانون والمثيرين للفتنة من بينهم نمر باقر النمر.
الولايات المتحدة التي اختارت الحياد السلبي حيال الخلاف السعودي الايراني عادت لتعلن دعمها وتفهمها للموقف السعودي، ولكن ماذا تغير؟
توقيت زيارة كيري إلى المملكة يحمل الكثير من الدلائل على تحول دراماتيكي في السياسة الخارجية السعودية نحو الندية مع الحلفاء لا التبعية السياسية، ما دفع الادارة الأميركية إلى تغيير موقفها، فزيارة الوزير الأمريكي أعقبت زيارة هامة وناجحة للرئيس الصيني الى المنطقة استهلها من السعودية، كما جاءت عشية مفاوضات جنيف ٣ المنعقدة بين أطراف الصراع السوري.
البيان المشترك بين المملكة والصين أعلن عن شراكة استراتيجية شاملة بين البلدين وهذا حتما لم يرض واشنطن، الحليف الاستراتيجي والتاريخي للمملكة، فبنود البيان تضمنت تعاوناً وتوافقاً غير مسبوق بين البلدين على أكثر من صعيد، ما يشير إلى أن المملكة جادة في تنويع خياراتها السياسية والاقتصادية عبر تحالفات استراتيجية مع دول فاعلة في المنظومة الدولية وفي ذلك رسالة صريحة لواشنطن تعكس استياء المملكة من ضبابية الموقف الامريكي إزاء مختلف قضايا المنطقة وعلى رأسها الازمة السورية والارهاب الايراني، وهو ما يقلق أمريكا التي تخشى من تنامي الدور الصيني في المنطقة على حساب دورها ومكانتها .
إلا أن ابرز ما يمكن قراءته من التقارب السعودي الصيني هو ادراك صانع القرار السعودي لأهمية استقطاب الصين اللاعب الفاعل على الصعيد السياسي والاقتصادي في العالم، لقطع الطريق على طهران التي تسعى إلى بناء شراكة استراتيجية مع بكين بعد رفع العقوبات الإقتصادية وعودتها إلى الحظيرة الدولية (( لاحظوا رمزية البند الوارد في البيان السعودي الصيني والمتعلق بالاتفاق على بناء "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري...))، رغم اعتراف المجتمع الدولي بدعم النظام الايراني لكثير من الجماعات الإرهابية وهو ما ذكر به وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، نظيره الأمريكي خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الوزيران بعد المباحثات بينهما.
ايران بطبيعة الحال، لن تسلم بالواقع الإقليمي الجديد سريعا، صحيح أن الضربة الدبلوماسية التي تلقتها بتعليق العلاقات مع السعودية وعدد من الدول كانت موجعة، إلا أن لدى طهران أوراق "قذرة" ترد بها، إبتداءً بعرقلة مفاوضات السلام السورية وليس انتهاءً بالعبث بأمن المنطقة ولنا في تفجيري الإحساء في المنطقة الشرقية بالسعودية يوم الجمعة، والسيدة زينب بدمشق اليوم الأحد خير دليل.
على أي حال، بات العرب يستشعرون استعادة المملكة لدورها القيادي في المنطقة، وهو ما كانوا يصبون إليه، فالسياسة السعوية أصبحت تتسم بتركيبة فريدة بين الذكاء والدهاء والمرونة والحزم، المرونة في بناء التحالفات والتعاطي مع التعددية القطبية المتنامية، والحزم ضد الخصوم والأعداء وكل من يهدد أمن واستقرار المنطقة وليس المملكة فقط، ويبدو أن زمن تأطير الدور السعودي وتقزيمه وحصره داخل الحدود قد انتهى فأمن واستقرار المنطقة من أمن واستقرار المملكة.
ولكن، أليست مفارقة مثيرة للتساؤلات، أن من كان يطالب المملكة بأن تقود المنطقة بعقلية الزعامة لمواجهة النفوذ والطمع الايراني، تركها وحيدة في مواجهة الغول الايراني!؟ فمن في المنطقة بل في العالم يقف اليوم في المرصاد وبحزم لإيران سوى السعودية؟؟ ومن غيرها يدرك الخطر القادم من طهران لابتلاع المنطقة؟؟ ولا اقصد هنا توجيه اللوم للولايات المتحدة الامريكية التي أرسلت وزير خارجيتها لاحتواء الغضب والاستياء السعودي ، ولكن للاسف المقصود بعض الدول العربية التي تركت الحصان السعودي وحيداً!.