الصابئة "موحدين" تغتالهم داعش بالتكفير
سارة طالب السهيل
30-01-2016 08:19 PM
يشكل الصابئة المندائيين جزءا اصيلا من نسيج المجتمع العراقي، كعرق وطني ضارب في اعماق التاريخ عرف بالمسالمة وساهم بشكل كبير فى انعاش اقتصاديات وطنه في العصر الحديث، خاصة وان طائفة كبيرة منه تعمل في صناعة المصوغات الذهبية .
ويواجه الصابئة المندائيون منذ الاحتلال الامريكي للعراق وحتي اليوم شتى أنواع التعسّف والاضطهاد الديني والاجتماعي مما أجبر عدد كبير منهم الي ترك الوطن والعيش في المهجر مما يكاد معه ان يفقد العراق فصيلاً مهماً من مكونات مجتمعه المتميزة .
وتزايدت معاناة اتباع الديانة الصابئة المندائية بعد تكوين الدولة الاسلامية داعش فصاروا يواجهون كل أشكال الاضطهاد والخوف والقتل والتهجير، خاصة بعد اطلاق صفة (الكفار) عليهم ومن هذا الاتهام بنهجهم فقتله حلال، رغم انهم على دين التوحيد وورد ذكرهم في القرآن الكريم في قوله تعالى : " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
يحرم الصابئة في العراق من تبوء مراكز قيادية أو بسيطة بسبب المحاصصة السياسية كما يحرمون من الامن نتيجة خلل الاوضاع الامنية، فأصبح الصابئة اكثر الفئات تعرضا للاختطاف والابتزاز المادي والقتل وتشويه الجثث لنشر الذعر في قلوبهم ودفعهم للهجرة، خاصة وان اغلب المندائيين يشتغلون بصياغة الذهب، والتي حولتهم إلى أهداف جاهزة للصوص والقتلة والمجرمين والميليشيات وطلاب الفدية .
ومن ينجوا منهم من القتل من خلال الارهاب والتكفير يواجه أخطار دخول عصابات للبيوت وسرقتها وتهديد العوائل المندائية بالسلاح بأنهم اقلية ويسهل استهدافهم، فقد قتل العشرات والمئات من المندائيين في محافظات بغداد وميسان والبصرة وكركوك والناصرية وتم خطف كثير من المندائيين ومقايضتهم بالمال وقتله .
أما أطفالهم فيعيشون في خوف دائم خلال ذهابهم للمدراس بسبب النظرة الدونية لهم وتحليل قتله، ولا يسمح لهم ذويهم باللعب في الشارع خوفا عليهم .
الازمة الانسانية التي يعيشها الصابئة في العراق تمتد لتشمل اختطاف وتغييب عديدة للمندائيات فلم تستطع عائلاتهن من الاستدلال على مصيرهن، فضلا عما يواجهون في المدارس والجامعات من مضايقات.
تعدادهم
يبلغ عدد الصابئة في العالم 50 الفاً، شكلت النسبة الاكبر منهم في العراق قبل عام 2003، و بعد الغزو تم تهجيرهم قسراً عن موطنهم بالرغم من عدم انخراطهم بالعمل السياسي او الحزبي، و لم يتبقى غير 4000 صابئي موزعين بجميع مدن العراق وهم في تناقص مستمر مما ينذر باختفاء احد اقدم مكونات العراق الدينية بانتسابها لنبي الله آدم عليه السلام .
ويتكلم الصابئة اللغة العربية، لكن لغة كتبهم المقدسة كتبت بالمندائية، وهي اللغة كان يتكلم بها سكان وادي الرافدين تتشابه مع اللغة الآرامية، وترتفع نسبة التعليم بينهم لنحو 99%، وحصلوا على وسام الطائفة الذهبية ايام عصر النظام الاسبق للعراق لبراعتهم العلمية.
خصائصهم الحضارية
اشتهرت قومية الصابئة بالسلام وشعارها " الدرفشا " يمثل سارية عمودية تشير الى السلام والنور بالجهات الاربعة، وامتازوا بالذكاء في مجالات الرياضيات والفلك والكيمياء والفيزياء والادب، وساهموا في بناء اولى حضارات العراق الاكدية ثم البابلية والاشورية والسومرية استنادا لكونهم من سكان العراق الاصليين .
كما ساهموا في الحضارة الاسلامية العباسية خاصة في مجال العلوم بعلومهم مثل أبو إسحاق الصابي وزير الطائع والمطيع، وثابت بن قرة وولديه سنان وإبراهيم اللذان برعا في الطب والرياضة والفلك والترجمة، وجابر ابن حيان الصابئي .
وفي العصر الحديث، برع منهم المرحوم عبد الجبار عبد الله اعظم علماء العراق، ولميعة عباس عمارة، وناجية المراني، وعبد الرزاق عبد الواحد الذي يعتبر من أهم شعراء العراق .
جذورالمندائيين
الدلائل التاريخية تشير إلى أن أصل المندائيين هو وادي الرافدين، ومنه كان بروز أول دين يؤمن بالرب الواحد وهو الدين المندائي وخاصة في جزئيه الأوسط والسفلي إلى الأهوار كما أن لهم امتداد في حران (الشام) وفي فلسطين وحتى في مصر حسب ما أوردته كتب المؤرخين العرب.
وقد تعرض المندائيين عبر تاريخهم الطويل لاضطهاد كبير من قبل أقوام واديان عدة، وقد ورد في تاريخهم الكثير من المضايقات والاضطهادات التي تعرضوا لها سواء أكان ذلك في العصر القديم أم في العصر الحديث، ومنها غزو الأمير محمد بن مروان بن الحكم الأموي للصابئة مرارا وسبى بها .
كما تعرضوا لاضطهاد بعض القبائل والعشائر الإسلامية العربية في جنوب وادي الرافدين ومنها مذبحة الناصرية ومذبحة شيشتر وإغارة أحد شيوخ العشائر على محلة الصابئة وإبادتهم وهتك أعراضهم وقتلهم.
واضطهدهم اليهود وسلطتهم الزمنية في أورشليم القدس قبل نحو آلفي عام، وبسببها هاجر المندائيون الفلسطينيون إلى بلاد الشام (حران) ومنها إلى وادي الرافدين، للالتقاء بإخوتهم هناك. كما تعرضوا للاضطهاد في حكم السلطة البيزنطية بعدما أصبحت المسيحية، الديانة الرسمية للإمبراطورية.
تسمية الصابئة
أن كلمة صابئة جاءت من جذر الكلمة الآرمي المندائي (صبا) أي بمعنى (تعمد، اصطبغ، غط ،غطس) وهي تطابق أهم شعيرة دينية لديهم وهو طقس (المصبتا – الصباغة – التعميد) فكلمة صابئي تعني (المصطبغ أو المتعمد) .. أما كلمة مندائي فهي آتية من جذر الكلمة الآرمي المندائي (مندا) بمعنى المعرفة أو العلم، و تعني المندائي (العارف أو العالم بوجود الخالق الأوحد الأزلي).
ويرجع اللغويون العرب كلمة الصابئة إلى جذر الفعل العربي (صبأ) المهموز، وتعني خرج وغير حالته، وصار خلاف حاد حول أصل الكلمة أهو عربي من صبأ أم آرامي من صبا!!.. ولكن كلاهما يعني الخروج من دين الضلالة والدخول في دين التوحيد الحنفي .
ومما يدل علي ان العرب عرفوا كلمة صبا، ان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وأتباعه دعيوا بالصباة، عندما جهروا بدعوتهم لأول مرة في مكة ودعوا إلى الإله الواحد الأحد، فدعاهم مشركي مكة بالصابئة .
التوحيد اصل ديانتهم
يفتتح الصابئة كلامهم بقولهم باللغة المندائية : ابشوميهون اد هيي ربي وتعني بالعربية: باسم الله الحي العظيم . وتقوم اركان عبادتهم علي خمسة اركان اساسية وهي ( التوحيد بالله الواحد الاحد ولا اله الا الله، الصباغة بالماء الجاري، الصلاة، الصوم، الزكاة والصدقة ) . ويعتبرون، نبي الله يحيى عليه السلام نبيهم الاخير ومعلمهم، وهي ديانه غير تبشيرية اي لايمكن دخول معتنق جديداً لها، وديانة مسالمة موحدة، شعارها اللون الابيض.
فالمندائية امتداد لشريعة عوالم النور (عوالم الله) .. فهي تعني المعرفة أي معرفة الرب وتوحيده، الحي العظيم (هيي ربي) مسبح اسمه، وكان مندائي بسبب معرفته، هو آدم (مبارك اسمه). وتؤمن الديانة المندائية بان آدم وشريعته الفطرية ماهي إلا المندائية وتعني معرفة الرب ووجوده ويحتفظ المندائيون بصحفه السماوية.
وتتوالي الانبياء لدي المندائيين مثل النبي شيتل بن آدم الرجل الأول (الغرس الطيب) والذي أفدى والده، فكانت روحه الأقدس من بين البشر، والنبي سام بن نوح (المتعبد الخاشع) والذي تزخر الكتب الدينية المندائية المقدسة بصحفه وقصصه وتراتيله، و النبي يهيا يوهنا - يحيى بن زكريا - يوحنا المعمدان (الحبيب المرتفع) ويحتفظ المندائيون بكتابه وهو النبي الأخير الذي يؤمن به الصابئة المندائيون.
وتركز المفاهيم الدينية المندائية على حيازة النعيم في الحياة السعيدة في العوالم النورانية العليا، فالحياة الأرضية وكل ما تحوي من نعم وراحة وملذات هي ليست مطلب المندائي المؤمن، وإنما طلبه الارتقاء إلى الملأ الأعلى.
كتبهم المقدسة
للصابئة كتابهم المقدس يدعى گـنزاربا المقدساي الكنز العظيم، او صحف آدم، او مخطوطات النبي آدم الكتاب الروحي للصابئة المندائيين هو (كنزا ربا)، ومعناه (الكنز العظيم)، و يحتوي من مفاهيم وكلام الرب العظيم وتعاليمه إلى الإنسان، وكتب وجمع في عصور مختلفة، واحتوى على تعاليم وحكم وقصص الآنبياء والمعلمين الأوائل للمندائية وعلى مختلف عصورهم . يحتوي " الكنزا ربا " المكتوب بلهجة آرامية شرقية هي باللغة المندائية، على جميع صحف الآنبياء والآباء الأوائل للمندائية وهم (آدم وشيتل وسام ويهيا يوهنا)، ويحتوي على الأسفار الخاصة بخلق الله للعوالم النورانية والأكوان والأرض، وتاريخ شرعة الحياة الفطرية في معرفة البشر للرب العظيم، ومجموع النبوات عما سيحدث في العالم منذ خلقه حتى المنتهى، ويضم الشرائع الإلهية، والمدونة نثرا وشعرا، وتاريخ وقصص، وحكم وأدب، وتعليم وإنذار للمتهيمنين (المؤمنين).
كما يوجد لديهم 24 كتاباً مبارك اخر لسنن انبياء الصابئة وكتب لتنظيم الادعية والطقوس والزواج، أبرزها كتاب " دراشة إيهيا" من اهم كتبهم المقدسة " أي تعاليم يحيى"، وفيه تعاليم وحياة النبي يحيى عليه السلام، وهناك كتب أخرى مثل سدرة إدنشماثا والديونان وسفر ملواشه وجميعها مكتوبة بلغة سامية قريبة من السريانية .
عادات وتقاليد حياتهم
لا يوجد طلاق في الديانة المندائية بالمعنى الفعلي للكلمة، بحيث يستوجب بعده إعادة مراسيم الزواج أو العقد الديني الشرعي، وإنما يوجد هجران أو فرقة، يعود بعدها الزوجان إلى أحدهما الآخر بدون عقد ديني ثان، وتتحقق الفرقة بين الزوجين بأسباب كبيرة ومهمة أهمها الآتي : اثبات إثبات الزنا.
وتحرم الديانة المندائية تحريما قاطعا وبشدة كل عملية سحرية وشعوذة وتنجيم يقوم بها أي شخص، لأنها منافية لعبادة الخالق الأزلي . وان مصير الساحر أو الذي يقوم بهذه الأفعال هو القطع عن عوالم النور (الجنة) ويوعد بعقاب وحساب شديدين كما تحرم الزنا والسرقة والسجود لغير الله، وتعذيب وقتل الحيوان .