تؤكد المؤشرات الكلية للاقتصاد الأردني حقيقة نعرفها جيداً هي أن الاقتصاد الأردني اقتصاد خدمات بالدرجة الاولى ، وإن كل الجهود والخطط والحوافز التي استهدفت زيادة حصة الإنتاج المادي في الناتج المحلي الإجمالي لم تنجح بل تحقق عكسها ، إذ ظل قطاع الخدمات ينمو دون دعم بأسرع من قطاعات الصناعة والزراعة والكهرباء المدعومة.
في المقام الأول نجد أن الخدمات تسهم بحوالي 67% من الناتج المحلي الإجمالي في حين لا تسهم قطاعات الزراعة والصناعة والتعدين والإنشاءات والماء والكهرباء مجتمعة باكثر من 33% من الناتج المحلي الإجمالي.
هناك مقياس آخر يؤكد أرجحية الخدمات ودورها في الاقتصاد الوطني ، إذ تقول التقديرات الأوليـة أن الميزان التجاري للسلع ُيظهر عجزاً فادحاً ، في حين أن الميزان التجاري للخدمات ُيظهر فائضاً.
عجز الميزان التجاري في السلع يظهر من كون المستوردات في سنة 2015 تعادل 6ر17 مليار دينار ، مقابل صادرات تعادل 8ر7 مليار دينار ، أي بعجز يقارب 10 مليارات من الدنانير ، في حين أن فائض الميزان التجاري في الخدمات يظهر صادرات تزيد عن 7ر5 مليار دينار ، مقابل مستوردات تقل عن 4ر4 مليار دينار ، أي بفائض صاف يعادل 3ر1 مليار دينار.
الخدمات التي ينتجها الأردن ويصدر ثلثها تشمل الخدمات الصحية ، التعليم العالي ، السياحة ، التجارة ، النقل ، البنوك ، التأمين ، البرمجيات إلى آخره وكلها نشاطات متميزة تستحق التشجيع.
لا يعيب الأردن أن يكون بلداً ترتفع فيه حصة الخدمات إلى 67% ، ذلك أن الاقتصاد الأميركي ، وهو أكبر اقتصاد في العالم ، تشكل الخدمات فيه 85% من الناتج المحلي الإجمالي.
ارتفاع حصة الخدمات في الاقتصاد الوطني ليس نقطة ضعف ، ولا ينتج اقتصاداً هشاً ومكشوفاً وشديد الحساسـية كما يدعي بعض المنظرين في بلدنا ، بل عنصر قوة ومرونة وقدره على التكيف مع الظروف المتغيرة.
لا ننسى في هذا المجال أن الخدمات تخلق فرص عمل غزيرة ، وتقدم وظائف ذات كفاءة ودخل أعلى ، كما أنها لا تحتاج لاستثمارات هائلة مثل الصناعة ، ذلك أن كلفة خلق فرصة عمل في قطاع الخدمات لا تزيد عن ثلث كلفة خلق فرصة عمل في قطاع الصناعة ، أي أن الاستثمار في الخدمات أكثر جدوى ومردوداً.
الراي