"ناطوري كارتا" وحاخام السلام
هديل الحليسي
01-07-2008 03:00 AM
الصدفة فقط هي التي قادتني الى لقاءه وذلك ضمن اطار عملي الذي يتيح لي لقاء العديد من الشخصيات العالمية، فجاءت المناسبة للكتابة عنه وعنهم، فانا لا ازكي نفسي، الا انني آمنت ومنذ الصغر وبسبب ما استقيته من معلومات من كتب التاريخ المدرسية (قبل تغييرها) ان وعد بلفور اسس دولة على اساس ديني، وهو مخالف للاعراف والقوانين الدولية فليس هناك دولة اسست على اساس الدين وبان هناك فرق بين اليهودية كدين والصهيونية المنهج. لكنني لم اتصور ان اقابل شخصا لا يحمل جنسيتي ولا هويتي العربية ولا يدين بديانتي وبرغم ذلك يؤمن بعدم شرعية دولة اسرائيل وبحتمية زوالها مهما طال الزمان. "نحارب الاحتلال بالطرق المسالمة المشروعة ونؤمن بشرعية المقاومة الفلسطينية ضد احتلال فلسطين كما نؤمن بان الارض ستعود الى اصحابها الاصليين مهما طال الزمان حيث سيفي الله بوعده الذي وعدنا في الكتب المقدسة". كان هذا ملخص حديثي السريع مع الحاخام"دوفيد يتسرائيل وايس" المتحدث باسم جماعة "ناطوري كارتا" المعادية للسامية والصهيونية و الذي يقول "نرفض الاعتراف بإسرائيل حتى لو اعترف بها العرب".
ناطوري كارتا (وتعني نواطير المدينة باللغة الآرامية)، هي جماعة من اليهود الارثوذكس في القدس كانت قد رفضت وما زالت ترفض الاعتراف بوجود او بسلطة ما يسمى "دولة اسرائيل" وقد اعلنت وما زالت تعرب علنا عن موقفها من التوراة واليهودية الحقيقية التي لم يطالها التحريف.
من بعيد، بدا لي يهوديا متعصبا مثله كمثل اليهود الذين نراهم على شاشات التلفزيون يؤدون الصلاة متمايلين عند "حائط البراق" الذي يسمونه "حائط المبكى". الا انني وعن قرب، وجدت فيه انسانا لا يختلف عن العرب المؤمنين بعروبة فلسطين في شيء. يقول الحاخام دوفيد: "نقبل ان نكون في المنفى ولا مانع لدينا بالعيش في ظل اي امة" وشعارنا "انا يهودي ولست صهوني" ويضيف "اننا نؤمن ان المحرقة اليهودية لم تكن لتحدث ما لم تكن تلك مشيئة الله".
رغم التهديدات التي طالت حياته ومنعه من دخول فلسطين، وهو من جملة الهموم التي اقتسمناها معا، استمر الحاخام بالبوح علنا وبمنتهى الحماسة الى ما آلت اليه الصهيونية واصرارها على ايجاد تبريرات لإقامة دولة اسرائيل ضاربة بالتوارة عرض الحائط ومنتهكة الديانة اليهودية ومدمرة بالكامل الصداقة التي نشأت قديما بين العرب واليهود.
هو انسان عربي فلسطيني الشعور، يهودي الديانة. يحمل من الوجع لمصادرة الاراضي والانسان والارواح كما نحمل جميعا، يدافع عن ارضنا ضد الاحتلال (الصهيوني) في مظاهرات واحتجاجات كما نفعل.
كانت اخر كلماته لي في نهاية المقابلة السريعة التي حصلت اثناء توجهه الى الباب الخارجي للمبنى "احتفظي بالامل في عودة فلسطين، فالاحتلال هو ابتلاء من الله الذي سوف يفك اسر الارض المحتلة مهما طال الزمان، فالارض ستعود لاصحابها كما عادت اراض كثيرة عبر التاريخ" ، تلك المقابلة التي اشترك فيها بعض زملائي لم تخل من لحظات صمت كادت عيناه تفيضان فيها من شدة الوجع.
ما كان منه في نهاية اللقاء الا ان اعطانئ الموقع الالكتروني الخاص بهم طالبا مني تزويده بكل حادثة اسمع عنها لمصادرة ارض او حوادث مشابهة في فلسطين www.nkusa.org وذلك لنشره بغية تظافر جهود العرب مع جهودهم بالقصص التي نحملها جميعها من جديد وقديم لتحرير الارض والانسان.
الى هنا انتهت المقابلة التي استغرفت خمس عشرة دقيقة، والتي كان لها وقع خاص على نفسي، ربما لان كلام الرجل وزملائه يترك في نفس العربي سعادة سببها الامل المضاف الى يزرعه بحديثه ولايمانه المطلق بوعد الله سبحانه وتعالى بان فلسطين ستعود، عكس ما نسمع ونقرأ من حقيقة دولة اسرائيل وكل الحقائق المقلوبة،،لا اعلم ولكني خرجت من المقابلة وكلي امل ان يحمل الكثيرين من العرب الذين فقدوا الشعور وعلاقة الدم بالارض العربية المغتصبة قدر ربع ما يحمله هذا الانسان اليهودي.