ضربة تحت الحزام تلك التي وُجِهَتْ إلى مهرجان الأردن من قِبَلِ خصومه ، وذلك بربطه إداريا وتنظيميا بشركة ( publicis groupe ) المتهمة بإشرافها على تنظيم احتفالات إسرائيل بالذكرى الستين لقيامها ، ويرأسها يهودي اسمه ( موريس ليفي ) كان قد أدلى بتصريحات داعمة لإسرائيل في أكثر من مناسبة ، جاء آخرها عبر صحيفة لوموند الفرنسية يوم الرابع والعشرين من شهر أيار الماضي . نقول هذا الكلام بغض النظر عن موقفنا الشخصي من التطبيع ، الموقف الرافض لكل أشكال التواصل مع الكيان الرابض على قلب أمتنا الجريح ، مقدما كل يوم ما يثبت همجيته وإجرامه وعدم التزامه بالمواثيق الدولية وأبسط معايير حقوق الإنسان .هنالك كذلك ما يجب التنويه إليه : الموقف من مهرجان الأردن ككل كونه أنشئ على أنقاض مهرجان جرش وعكس قرارا كان محل انتقاد شرائح واسعة من المهتمين ، شيء آخر غير الموقف من اتهام المهرجان بالتطبيع استنادا إلى معلومات مغلوطة . فلا يفهمن من الكلام أن في المقال تأييدا لمهرجان الأردن وإعجابا بفكرته .
مشكلة اتهام المهرجان بالتطبيع ذات شقين .. الشق الأول يتلخص في اختلاق أزمة كبيرة عبر الاستناد إلى معلومات غير دقيقة نسبت الإشراف على التنظيم إلى الشركة المذكورة آنفا ، ثم التعاطي مع الأزمة عبر جهات عديدة دخلت على الخط واستغلت جاذبية الوضع القائم من أجل تصفية حسابات قديمة مع الحكومة ، وتسجيل موقف في الشارع المهيأ أصلا لتلقي المعلومات غير الموثقة بكل صدر رحب . هذا على الرغم من أن رد الحكومة على الاتهامات قدم ما يكفي لإثبات براءته عبر تصريحات وزيرة الثقافة نانسي باكير قبل شهر من اليوم ، حيث أفادت أن الشركة المسئولة عن تنظيم المهرجان هي شركة أخرى اسمها Les Visiteurs Du Soir ، هذه الشركة لا علاقة لها أبدا ب publicis groupe إلا و(ربما) من خلال تقديم المشورة الفنية عبر اتفاقيات قديمة بين الشركتين لا علاقة للحكومة الأردنية بها . هذا التصريح اليتيم الذي يؤكده الموقع الإلكتروني للشركة الثانية كفيل بأن ينهي اللغط المثار ويبت في أصل الموضوع عند من يمتلك الرغبة بإجهاد نفسه ولو قليلا بحثا عن المعلومة الحقيقية ، والوصول إلى العنب بدلا من الإصرار على مصارعة الناطور .
الشق الثاني يتمثل في سوء التقدير وضعف تعاطي الحكومة وبالذات وزارة السياحة وهيئة تنشيطها مع الأزمة ، فتصريح نانسي باكير اليتيم ذو الصوت الخافت لم يكن كافيا أبدا لأن يصل إلى أبعد مدى ، فالقضية تحولت إلى موقف شعبي تدعمه أحزاب وجهات نقابية عديدة ، وتم العمل عليه داخليا وخارجيا عبر دعوة المواطنين الأردنيين والسياح والفنانين العرب إلى المقاطعة ، كل ذلك ضمن حملة إعلامية لم تهدأ أبدا ، حملة مكثفة لعبت على الجانب العاطفي بدقة ومهارة ، وتعاطت مع جمهور باحث عن الإثارة ، وآخر ما يهمه هو البحث عن المعلومة الحقيقية أو الاستماع إلى وجهتي النظر .
طبعا علينا أن نفرق هنا بين تصريح كتصريح نانسي باكير الذي كان يجب استنساخه كثيرا ، والعمل عليه إعلاميا بكثافة من أجل إيصاله إلى أكبر شريحة ممكنة في الداخل والخارج ، وتصريح كتصريح مدير عام هيئة تنشيط السياحة قبل يومين ، هذا التصريح الأخير هو الوجه الحقيقي والسائد لطريقة تعامل الجهات الرسمية مع الأزمة ، حيث اكتفى التصريح بالإشارة إلى أن الشركات المنظمة للمهرجان هي شركات أردنية بالإضافة إلى شركة أجنبية لم يقم المسئول المذكور بالكشف عن اسمها أو الإدلاء بأي معلومات بخصوصها ، ومن البديهي أن تصريحا فضفاضا كهذا لن يكون كافيا أبدا لتبديد الشكوك ، بل على العكس من ذلك فان الإبهام وتنكير الشركة الأجنبية المشاركة في التنظيم والاكتفاء بالنفي غير المستند إلى حجة موثقة ، هذه العوامل كفيلة بأن ترسخ الشكوك الدائرة وتوجه ضربة قاصمة إلى ما يسمى بالشفافية التي تبدو أكبر الغائبين عن تصريح المسئول الرسمي .
ثمة مشكلة عظيمة لا يمكن لنا أن نمر بها مرور الكرام ، وجهها الأول هو الرغبة باختلاق أزمة لا أكثر ولا أقل ، حتى لو كان اختلاقها يتم على حساب سمعة البلد ، ويقدم صيدا مجانيا للراغبين في الطعن والتشكيك عبر فضائيات متربصة وإعلام غوغائي . ووجهها الثاني هو أداء أعلامي رسمي ضعيف وسوء تخطيط وإدارة ، وعجز عن التواصل مع العامة وفهم طريقة تفكيرهم . ولا نقصد بالعامة هنا مجرد الجمهور ، بل ثمة مثقفون كثر وأصحاب مناصب كبيرة يقودون من خلالها أحزابا ونقابات ، هم في حقيقة الأمر أكثر سلبية من العامة وأشد منهم جهلا بأصول التفكير السليم واتخاذ المواقف الحكيمة المدروسة .
samhm111@hotmail.com