تجتاز وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس عتبة متواضعة في مساعيها للتوسط بشأن المشكلة الفلسطينية: فهي تعبر عن استعدادها للقاء مع بعض أعضاء «حكومة الوحدة الوطنية» المدعومة من جانب حماس على الرغم من أن الإسرائيليين عارضوا علنا مثل هذه الخطوة. ولا تقوم رايس بأي شيء باندفاع وتهور، وأقلها القفز إلى النزاع الأكثر تعقيدا في العالم. الفضاء الذي فتحته بين مواقف الولايات المتحدة والمواقف الإسرائيلية فضاء صغير تماما. ولكن بينما تبدأ رحلة أخرى إلى الشرق الوسط الأسبوع الحالي، فرايس توجه الرسالة التي تقول انه على الرغم من التعقيدات التي طرحتها حكومة الوحدة الفلسطينية، التي أعلنت نهاية الأسبوع الماضي، فإنها تمضي قدما بمساعيها الدبلوماسية الهادفة إلى إقامة دولة فلسطينية.
وكان كيسنجر قد سمى هذه الطريقة المتدرجة دبلوماسية «الخطوة خطوة» عندما كان وزيرا للخارجية خلال سنوات السبعينات، في عهد الرئيسين نيكسون وفورد. وفي حالة رايس ليست هناك حتى الآن سوى خطوات أولية متواضعة. ولكن يبدو أنها تعترف بأنها إذ تمضي قدما فإنها ستحتاج إلى مشاركة الفلسطينيين على نحو أوسع، على الرغم من أن هذه الاتصالات ستزعج بعض الإسرائيليين.
ويتمثل موقف رايس في أنها لن ترفض الحديث إلى الفلسطينيين لمجرد أنهم أصبحوا أعضاء في حكومة تهيمن عليها حماس، إذا ما اعترفت تصريحاتهم العلنية السابقة بحق إسرائيل في الوجود. فهي مستعدة، على سبيل المثال، أن تلتقي وزير المالية الفلسطيني الجديد سلام فياض، وهو اقتصادي سابق في البنك الدولي. وفي إشارة إلى السياسة الأميركية الجديدة التقى فياض الثلاثاء الماضي مع القنصل العام الأميركي في القدس جاكوب واليس، وفقا لتقارير صحفية إسرائيلية. كما إن مسؤولي وزارة الخارجية لا يستبعدون احتمال لقاء رايس مع وزير الخارجية الجديد زياد أبو عمرو، أستاذ العلوم السياسية السابق الحاصل على الدكتوراه من جامعة جورجتاون والذي يتمتع بعلاقة ودية مع حماس.
أما سياسة إسرائيل فتتمثل، على النقيض من ذلك، في أنها «لن تكون قادرة على العمل مع حكومة (الوحدة الفلسطينية) أو أي من وزاراتها» حتى تعترف تلك الحكومة بإسرائيل وتدين العنف، وفقا لبيان سياسي رسمي صدر نهاية الأسبوع الماضي. وإسرائيل ليست راضية عن ابتعاد الولايات المتحدة عن هذه السياسة، ولكن مسؤولين إسرائيليين لا يريدون أن يختاروا صراعا معلنا في هذه المرحلة. وهم واثقون من أن الولايات المتحدة وإسرائيل تشتركان بالأهداف الاستراتيجية ذاتها، حتى وان بدأت تكتيكاتهما بالتباين.
ومع غياب المحادثات بين الإسرائيليين والفلسطينيين فإن رايس ستتبنى دورا وسيطا من خلال الاتصال بشكل متواز بين الطرفين. وفي المحادثات ستستكشف أكثر ما تسميه بـ «الأفق السياسي» للدولة الفلسطينية، فيما تأمل بشكل محدد تطوير أجندة مشتركة للقضايا التي تتطلب الحل، كي يصبح وجود تلك الدولة ممكنا. وسيكون شريكها الفلسطيني الأساسي الرئيس محمود عباس الذي هو مقبول لدى إسرائيل.
وستناقش رايس مع عباس ومستشاريه الأدوات التي تسمح للدولة الفلسطينية بالعمل بشكل فعال. فعلى سبيل المثال، هي تخطط لاستكشاف الكيفية التي يمكن وفقها حفظ الأمن في دولة فلسطين المنزوعة السلاح، بما فيها الدور الذي قد تلعبه قوى أمن أجنبية مثل كوادر من الاتحاد الأوروبي التي تقوم حاليا بدور الإشراف على نقاط التفتيش على الحدود بين غزة ومصر وإسرائيل. وستكون آخر القضايا في أجندة رايس هي تحديد الخطوات الضرورية لتشكيل حكم قوي في دولة فلسطين المستقبلية بما فيها الدعم المالي والفني للوزارات.
ولإضافة قدر من التوازن لجهودها، راحت رايس تحث الدول العربية لتجديد عرضها بالسلام لإسرائيل، مثلما تم التعبير عنه في مبادرة السلام التي طرحها الملك السعودي عبد الله عام 2002. فعلى سبيل المثال تأمل رايس في أن يناقش العرب إنهاء التحريض ضد إسرائيل من خلال بروباغاندا معادية، وأنهم سيأخذون بنظر الاعتبار إجراء تبادل تجاري مع إسرائيل على مستوى صغير. وحجة رايس هي أن تفاعلا عربيا إسرائيليا واسعا ضروري خلال الجهود المبذولة لحل المشكلة الفلسطينية، بدلا من الجمود عند طبقة السكر التي تغطي الكعكة حال الوصول إلى اتفاق سلام.
ويكمن قلق إسرائيل في أن تنازل رايس سيقوي حماس، التي كسبت تنازلات من عباس في تشكيل حكومة وحدة وطنية، بما فيها الحق في طرح أي اتفاق سلام على استفتاء شعبي، أو إجراء تصويت في البرلمان عليها، وهذا سيشمل الفلسطينيين المقيمين في المنفى، فيما فشل عباس في وعده بأن حماس ستطلق سراح الجندي الإسرائيلي المختطف جيلعاد شاليت قبل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. في الوقت نفسه، يرى مسؤولو الأمن الإسرائيليون أن حماس توسع من قوتها العسكرية في غزة، مع امتلاكها لـ 12 ألف صاروخ بعيد المدى ومزودة برؤوس أكثر فتكا.
وهذا هو المأزق الذي سيواجه رايس كوسيط. ولكنها بدأت في السير على طريق لم يسبقها إليه أحد حتى كيسينجر. وهي أيضا تفهم أن الواجب الدبلوماسي يفرض عليها أن تبدأ عملية السلام وأنها لا تستطيع إيقافها.
"واشنطن بوست»