الكتاب والمطالعة وتحسين التعليم
د. زيد أبو زيد
27-01-2016 01:57 PM
لكثرة حبي للتراث واعجابي به، وهو حبٌ موروثٌ عن والدي حفظه الله، فقد اعجبني ما كتبه الجاحظ الذي اعترف له كتاب عصر النهضة بالفضل عليهم بجمال الأسلوب ، وحسن البيان، ولفهمه لمجتمعه و سحر ما يكتب بإسلوبٍ سهلٍ ممتع , و جمل رقيقة متتابعة، تنساب على اللسان إنسياب الماء على صخرة ملساء، تداعبها الشمس، و يتلاعب بامواجها النسيم، فرأيت ان اضع بعض وصفه للكتاب في مقالي هذا حرصاً على ألا أشوه النص بتصرفي فيه باجتزاء ما أعجبني منه، مع أنه كله جميل وعجيب وممتع , محققاُ بذلك هدفي من ناحيتين الأولى امتاع القارئ والثانية إطلاعه على نماذج من عيون الأدب العربي الذي وأسفاه انصرف عنه أبناؤنا إلى الانترنت وما يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي الذي تفوق غثهُ على سمينه وأذاهُ على فائدتهِ , وجهله على علمه، مما جعل تراثنا مهجوراً ،واتقان أبنائنا لتعليمهم مقبوراً , فها هو يقول:" الكتاب نعم الذخر والعدة , ونعم الجليس والقعدة , ونعم النثر والنزهة , ونعم المشتغل والحرفة ساعة الوحدة , ونعم المعرفة ببلاد الغربة , والكتاب وعاء ملئ علماً , وظرفٌ حشي ظرفا" , لله درك أيها الجاحظ ما هذا البيان لكأن ما يجري على لسانك ويخطه قلمك ينزل على شغاف القلب برداً وسلاماً , فيهتزله الذوق لتجعل الملتقي يسبح فوق الأثير، ويحط على ضفاف الغدير.
لقد مرت الأمم والحكومات عبر تاريخها بكثير من مواقف التجربة والخطأ والهزيمة والنصر والصعود والهبوط , والاستعمار والتحرر وحتى الجمود والجهل والعلم والنور , فالدنيا لا تدوم على حال , وقديماً قالوا ان ذلك من المحال، واذا كانت امتنا قد كبت قديماً ثم نهضت ثم تعرضت للغزو والاحتلال حتى تحررت , فانني سآخذ من نموذج الاردن الحديث مثلاً , فالاردن الحديث الذي جمع على أرضه أحرار العرب في ثورة عربية كبرى نحتفل اليوم بمئويتها الاولى, آل على نفسه أن يكون مشروعاً قومياً عروبياً اسلامياً ،ينهل من التراث بقدر ما يأخذ من المعاصرة والتقدم , ومن ثم انطلقت الدولة الأردنية الحديثة, دولة مؤسسات منذ بدايتها .
ولما كنا بصدد الحديث عن التعليم وتحسينه في بلدنا العزيز فقد توالى على وزارة التربية والتعليم التي كانت تسمى بوزارة المعارف ما يصل إلى ما يقارب الأربعين وزيراً اجتهد كلٌ منهم في رفع سوية التعليم وتوفير الكوادر القادرة على ذلك في ظل قيادة هاشمية شابة هي قيادة الحسين الباني الذي رفع شعار "فلنبن هذا الوطن و لنخدم هذه الامة " فانطلق في بناء المدارس، و المؤسسات الرياضية و الثقافية ، و المكتبات العامة ، ومع ازدياد عدد السكان و كثرة المدارس ، و بالتالي ازدياد عدد المعلمين و الاداريين ، كان لابد من وضع سياسة تربوية حكيمة و ثابتة تنهض بالوطن ، و تحقق مقولة الحسين ،وما بين تغير الوزراء على رأس هرم التربية و التعليم ، و اختلاف رؤية بعضهم عن بعض في السياسة التربوية، ارتفعت مخرجات التعليم تارة ، و انخفضت تارة اخرى ، حتى شهدنا في السنوات العشرين الماضية انخفاضاً في مستوى التعليم ، وأمام هذا الواقع كثرت الشكوى و اتسع الخرق ، حتى قيض الله لهذه الوزارة و باختيار ملكي هاشمي حكيم هاله ما وصل اليه التعليم من تدني في المستوى خصوصا في القراءة و الكتابة و التعبير ، فكان الدكتور محمد ذنيبات سهماً من سهام ابي عبد الله ، فانطلق يبحث عن أصل المشكلة المتمثلة في -أمية الحرف و الرقم - و اصرَ على مصداقية ابحاثه اولاً في الصفوف الثلاثة الأولى حين ذهل بالنتيجة ، فلم يرض إلَا ان يصرح بمسؤولية الراعي الامين ، إن اكثر من 100 ألف من ابنائنا في هذه المرحلة يعانون من ضعف في القراءة و الكتابة و التعبير ثم اطلق بحثه الثاني حين اجرى اختباراً لمعلمي هذه المرحلة فكانت نسبة النجاح بينهم غير مرضية ، مما اضطره ان يقرر أن لا يعينَ في مهنة التعليم الا من ينجح في امتحان قبول القدرات ، بعد أن رأى و سمع عن تدني مستوى التعليم في المرحلة الثانوية ، وعن التلاعب الذي يتعلق بامتحان الثانوية العامة، انطلق ليضع لهذا العبث حداً ، وأعطى لكلَ ذي حقَ حقه ، حتى لا تكون هذه الفئات الضعيفة عبثا ثقيلاً في الدراسة الجامعية و المجتمع فيما بعد ، فاصبح الانضباط بعد عامين ثقافة مجتمعية بامتياز، ثم نظر في المناهج فألغى برنامج المعلوماتية (IT) وما زال يبحث ليصل الى النتيجة الأفضل وليصبح امتحان الثانوية العامة الاردنية امتحاناً عالمياً شأنه شأن شهادة الثقافة العامة البريطانية ويزول من المجتمع التوتر والقلق ومظاهر الخلل والفشل المرتبط بهذا الامتحان.
ان برنامج الطوارئ الذي اعلنه معالي الوزير لتحسين التعليم يسير قدما ، فإلى الأمام يا معالي الوزير، واذا كنت بصدد تحسين القراءة و الكتابة و التعبير لا في المرحلة الابتدائية فقط ولكن في جميع المراحل فإننا يا سيدي بحاجة الى برامج جادة يدرب فيها المعلمون ولو بشكل تدريجي ، وعلى سبيل المثال قبل سنوات من الآن استقدمت الوزارة خبيراً هولندياً يعلم التعبير من خلال الصحافة ، ولا ادري كم طبق منه في المدارس أما المكتبات المدرسية و العامة التي لم يرتادها الا النزر اليسير من الطلاب ولم يعد امناء هذه المكتبات إلاَ حراساً على رفوفها. فماذا هم فاعلون في خططهم و تشجيع الطلاب على البحث و القراءة وقد سمعت في الستينات من القرن الماضي عن برنامج يسمى المكتبة المتنقلة يشرف عليها جهاز خاص في وزارة التربية و التعليم يوزع الكتب على المدارس كل شهر تُقرأ ثم تعود لتوزع على مدارس أخرى.
إن العمل الجاد كثير و المخرجات منه بالتأكيد إيجابية و لكنها بحاجة إلى قلوب مخلصة و عقول متفتحة و ضمائر