كان كُل ما على تلك السهوب البعيدة يَشي بالسكينة, لا صياح ديك, ولا نقنقة دجاجة, لا ثُغاء نعجة, ولا صوت
لحَنين ناقة, لا نُباح كلب يُنذر بمرور عابر غريب, ولا عُواء ذئب يشكو وجع غياب ذئبته, لا طائرات هناك
تَعبرُ الأجواء, ولا عربات تبُث موسيقى زَفّة جِرار الغاز...
لا ضَجيج هناك,لا أصوات سوى صوت ذلك الألم الذي يشكو منه الفضاء إن جَرحهُ طائر مُحلّق بأطراف أجنحته المدَبّبة!.
توقفت الحركة أيضا هناك, لا ورقة شجر مَنسيّة على غصن تُراقصه النسمة, لا أحذية صغيرة تَغُذ السير نحو
المدرسة, حتى لا مدرسة هُناك, لا خادمة تحمل كيس قمامة لتودعه للحاوية, بالمناسبة لا حاويات هناك لأنه من
البَذخ أن تكون الحاوية في مكان يخلو من القمامة!
لا شيء هناك يتحرك سوى ذلك الصامت الرمادي الذي يَخرُج من حُفرَة في الأرض ليرتفع قليلا عنها, ثم لا
يجد سوى ذلك العامود الخشبي ليلتف حوله في محاولة دؤوبة ليتسلّقه, يَنجحُ في ذلك لكنه يَصطدم بالسقف الأسود,
يبحث عن مَخرجٍ له فيهتَدي إلى خُرومٍ ضَيقة, ينطلقُ منها للأعلى, يتكاثَف في الصقيع الخارجي, فيظهر من بعيد لعابر كان يبحث عن بيت شعر ينزل به ضيفاً في هذا الشتاء,فأرشده إليه دُخان نثيلة النار الذي تَسَلّق عامود
البيت في البادية!