"عن الوفاء للمجتمع ومشاريع الأبداع " المهندس حسام الطراونة
د. زيد نوايسة
26-01-2016 02:47 PM
ظل الوفاء من اعظم القيم وانبل الصفات التي تعطي لإنسانية الإنسان معنى حقيقي يميزه عن باقي المخلوقات؛ فكيف اذا تجاوزت حدود الوفاء للافراد والعائلة والاقارب، لتتجاوز ذلك الى المجتمع بأكمله بمعزل عن اية مكاسب او عوائد شخصية، حتى تصل الى درجة يتماهى فيها الانسان مع رسالته التي يبغي انجازها فلا تستطيع ان تفرق بين الشخص والرسالة التي يحملها لأنها تصبح جزاء من روحه ومشروعه في الحياة.
نادرة بل تكاد تكون معدومة النماذج المتداولة للاعمال التطوعية وخصوصاً في الأطراف البعيدة عن الحواضر والمدن الكبرى والعواصم؛ تلك التي تستهدف الاستثمار في الاجيال التي ما زالت غضة وطرية لم تكتسب من معارف الحياة غير تلك التي تقدمها المناهج باسلوب تلقيني وتقليدي ، ومرد ذلك ان بلادنا والعالم الثالث عموما يعطي الأهمية للمدن ولابناء العواصم الكبرى الذي يملكون في الأصل تأسيسا ومقدرة مالية على المنافسة والتميز في الحقول اللامنهجية والتي تحتاج لدعم عائلي وبيئي وثقافة متنورة تؤمن بأهمية المخترع والموسيقي والمخرج والمسرحي والرسام، فالمجتمعات حكماً بحاجة لعلماء في الهندسة والطب والقانون لكنها تظل بلا روح ولا قيمة دون ان يكون هناك من يحمل عنوانا حضارياً لوطنه وامته، فالناس تعرف ان النمسا بلد مهم ومتميز لكنها تعرف ان بتهوفن وموزرت يشكلون عنوانا حضارياً وثقافيا ما دامت الحياة للعالم وليس للنمسا فقط وكذلك مكسيم غوركي لروسيا وشكسبير لانجلترا وجبران خليل جبران للبنان والهرم الرابع في مصر "ام كلثوم"، والامثله كثيرة ومهمة ولا يسعها مقال عابر.
عندما تابعت تجربة رائدة ومتميزة في بلدي ومحافظتي الكرك لدعم الموهوبين والمبدعين اليافعين وتنمية المهارات التي يمكن تطويرها بشكل منهجي وعلمي يقودها المهندس حسام مصطفى الطراونة وهو احد ابناء الكرك المميزين علماً وخلقاً وانتماءً بجهد فردي وتفرغ تام على حساب عائلته وحياته الاجتماعية أدركت أن هناك من لا يزال فينا من يؤثر على نفسة ولو كان بها خصاصة؛ يؤمن وبصمت ودون ضجيج ان الانتماء ليس استعراضاً وبطولات وولائم وترأس جاهات وصرف قائمة الالقاب الطويلة في وطن استوطنت واستولت فيه الالقاب على عقول الناس فصار التكريم لمن لا يستحق ولمن لا يعمل ولمن لا يقدم للوطن غير تكاثره وحيد الخليه يأخذ دونما أن يعطي وعندما يعانده الحظ ولا يأخذ يجلد الوطن بالف سوط ودون رحمه!!
المهندس حسام الطراونة والذي أوغل فيه وجع الفقد وكيف لا يوغل في الاب الذي كرس عمره لفلذة كبده غياب الابن الالمعي الذي كان وكنا على ما سمعنا عنه ندخره للكرك وللاردن في قادمات الأيام، لم ينزوي للحداد ويستكين على ما في غياب أحمد رحمه الله من الم الرحيل بل تقبل الامر بصبر المؤمنين الصابرين الذين بشرهم الله في كتابه العزيز، وقرر أن يكمل المسيرة من خلال تأسيس نادي الأبداع في الكرك ليشكل حاضنة لكل اليافعين من ابناء وبنات الكرك الذين يملكون بذور موهبة وابداع في اي حقل أو مهارة فاستطاع بمتابعة حثيثة ، وخلال فترة قصيرة نسبياً أن يترك بصمة ورصيداً من حضور التجربة التي تحولت لمرجعية للابداع على مستوى الاردن بالرغم من تواضع البيئة المجتمعية التي أنطلقت منها لا تحفز ولا تشجع وربما تعيق في بعض الأحيان.
اذا كان المهندس الطراونة أختط لحياته نهج الوفاء والعطاء وهو ما عرف عنه وعن أهله ومنذ ان كان فتى يافعاً في بلدته "المزار الجنوبي" والتي يختلف ويتفق اهلها على الكثير من أمورهم الا انهم يجمعون على ان هذا الانسان يختزل بشخصيته كل عناوين الوفاء والنبل والاستقامة والسيرة الحسنة فمن حقه علينا ومن واجبنا ان نكتب عنه وعن تجربته لأننا نريد أن يعمم هذا السلوك على كل الخيرين والذين يؤمنون بأن المجتمعات لا تنمو ولا تزدهر أذا أعتمدت على دعم الحكومات فقط بل لابد من ممارسة الدور والمسؤولية المجتمعية للافراد والمؤسسات.
على مدى ردحاً طويلاً من الزمن ظل معظم ابناء بلادنا كعمر القاسم الشخصية الرئيسية في رائعة القاص والرواي السوري الكبير "يا أيها الكرز المنسي" والتي اختصر فيها الشخصية التي تتنكر لاهلها ولمجتمعها مجرد أن تغادره لموقع أو لوظيفة أو ثراء مالي، واليوم نشعر بالامل والتفاؤل بأن مجتمعاتنا تتغير ويخرج من ابناءها من يؤمن بدوره ومسؤوليته تماما كالرسالة التي يحملها المهندس حسام الطراونة والذي يحتاج منا الدعم والثناء والشكر.