من تِلكَ الكُوّة الضيّقة في الجدار الأسود السميك, كانت الريحُ تَحشُرُ لِسانها الطويل لَِتَلعَقَ خيوط السِناج التي
تَدَلّت من السَقْف المُنخَفِض, بينما تلك السيدة الستينيّة تُمرّر طَرَف كُم ثوبها لتمسح دَمعا سَقَط على أعلى الخَد
مُتّخِذا طريقه داخل تعاريج التجاعيد نحوَ الشِفاه!
رُغم الرياح الشمالية الغربية التي كانَ صقيعها يلتف حول جدران المكان، إلا أن تلك السيدة الستّينيّة كانت تتصَبّبَُ عَرَق، فالنار التي كانت تَلفحُ زِنديها وتكاد تَقترب من لحم الوجه المُستدير كانت أشد قسوة من صقيع كوانين
المحمول على أجنحة الريح.
مَرّت غيمة داكنة فوق المكان فقصفته بالرعد ثم واصَلت سيرها, لتلحقها أخرى رمادية فاهية ما لبثت أن أسقطت
قطعا من الثلج كانت تُشبه ريش حمامة بيضاء تناثر جرّاء صَلية من بندقية صيّاد أودَت بفرح الحمامة!
أسعَفَت السيدة الستينية آخر رغيف قَمح كادت النار التي أحرقتها أن تُحرقه,ثم قامت تُحني ظهرها لتخرج من الباب الضَيّق المُنخَفِض تَحمِلُ طبقا من قَش,باغتتها ريحٌ ماكرة فخَطَفت الطَبق,وتَدَحرجت أرغفة القمح في الأرجاء كعجلات عَرَبة فقد سائقها سيطرته على المقوَد!...وما أن تنبّه لذلك ديكٌ طَموح حتى راح يقز خلف أحد الأرغفة ليُغري به ربما إناثه الدجاجات بينما السيدة الستينية انشَغَلَت بإزالة الطين عن أطراف طبق القش!.