يتحدث الكثير من فقهاء ورجال القانون عن وجوب حل مجلس النواب قبل اجراء الانتخابات للمجلس الذي يليه حيث جرى العرف على صدور الارادة الملكية السامية بحل مجلس النواب قبل عملية الاقتراع , ولكن في ظل التعديلات الاخيرة التي اجريت على الدستور الاردني والتي كان من بينها اضافة نص الفقرة 2 من المادة 74 والتي تنص : ( الحكومة التي يحل مجلس النواب في عهدها تستقيل خلال اسبوع من تاريخ الحل ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها), فانه يتعين اعادة النظر في الممارسة الدستورية والا فانه يتحتم على كل حكومة ان تستقيل مع حل مجلس النواب اي كان نوعه وزمانه سواء حل المجلس اثناء عمره الدستوري او قبل فترة وجيزة من انتهائها.
وباستقراء النصوص الدستورية فقد جاءت واضحة لا تحتمل العمل بعرف دستوري بل لا بد من تطبيقها واستقراء مقاصد المشرع من صياغتها حتى لا نتبع عرف دستوريا يخالف النص الصريح ,فالعرف الدستوري لا يعمل به الا في ظل غياب النص او غموضه, وبالرجوع الى الدستور الاردني فقد بينت المادة 68 فقرة 1 منه مدة مجلس النواب وهو اربع سنوات شمسية تبدأ من تاريخ صدور نتائج الانتخاب بالجريدة الرسمية, وحيث حددت هذه المادة المدة الدستورية بوضوح وحددت بذات الوقت وبكل وضوح تاريخ بدئها فيكون بالتالي تاريخ انتهائها واضح لا لبس فيه, اما الفقرة 2 من ذات المادة فقد اوجبت اجراء الانتخاب للمجلس الجديد خلال الاربعة شهور التي تسبق انتهاء مدته الدستورية ,بمعنى انها اوجدت حكما بوجوب اجراء الانتخابات النيابية للمجلس الذي يليه ضمن العمر الدستوري للمجلس النيابي القائم (خلال الاربعة اشهر التي تسبق ) وهو بنظري حكم لم يأتي عبثا .
وبنظرة فاحصة لنص المادة 68 فقرة 2 اعلاه وباستقراء مقاصد المشرع فانه لا بد لنا من توضيح نقطتين قانونيتين :
النقطه الاولى: لم يرد في نص هذه 68 من الدستور اي اشارة الى وجوب حل المجلس قبل اتمام مدته الدستورية لغاية اجراء الانتخابات للمجلس الذي يليه ، بمعنى ان الانتخابات تجري وجوبا في ظل العمر الدستوري للمجلس القائم وهذا الامر ليس فيه اي غموض ولا يحتمل التأويل لانه نص واضح وبصفة الوجوب, ولعل حكمة المشرع هنا قامت على وجوب استمرار المجلس بمهامه الدستورية دون انقطاع او تعطيل لهذه الصلاحيات بغية استمرار العمل التشريعي والدليل على ذلك ما سيرد بالنقطة الثانية .
النقطة الثاني : ان الفقرة 2 من المادة 68 اوردة عبارة ( اذا لم يكن الانتخاب قد تم عند انتهاء مدة المجلس او تاخر بسبب من الاسباب يبقى المجلس قائما حتى يتم انتخاب المجلس الجديد ) وحكم هذه الفقرة ايضا واضح لا يقبل التأويل وجاء حكما مكملا لمطلع الفقرة ذاتها ويشير بكل وضوح الى امرين:
الامر الاول : ضرورة اجراء الانتخابات للمجلس الجديد خلال اخر اربعة اشهر من العمر الدستوري للمجلس القائم, وهذا يدل على ان المجلس الجديد اذا تم انتخابه خلال الاربع اشهر من انتهاء العمر الدستوري للمجلس المنتهي يستلم سلطاته من المجلس القائم عند انتهاء العمر الدستوري له, ويتجى ذلك بدعوة الملك للمجلس الجديد للانعقاد , وهنا يجب ان نعير الانتباه الى كلمة (عند) الواردة في الفقرة 2 التي تدل على وجوب اكمال المجلس لمدته بحيث يكون المجلس الجديد قد تم انتخابه.
الامر الثاني : ان عجز الفقرة 2 من المادة 68 من الدستور اضاف حكما استثنائي بيّن فيه انه اذا وجد اي سبب منع من اجراء الانتخابات للمجلس الجديد خلال اخر اربعة اشهر من العمر الدستوري للمجلس القائم يبقى المجلس القائم مستمرا ولو كان خارج عمره الدستوري الى حين انتخاب المجلس الجديد ,وان استخدام كلمة (يبقى) الواردة في ذات الفقرة هو حكم دستوري واجب التطبيق ودلالته استمرار المجلس السابق بسلطاته وصلاحياته الدستورية في حال تاخر او تعذر انتخاب مجلس جديد خلال الاربع اشهر التي تسبق انتهاء العمر الدستوري للمجلس القائم.
ولا بد لنا في هذا المجال ان نميز بين حل مجلس النواب بموجب نص المادة 34 فقرة 3 والتي تعطي الحق للملك بحل مجلس النواب وهي صلاحية دستورية غير مرتبطه بالعمر الدستوري من ناحية , وبين انتهاء العمر الدستورية لمجلس النواب من ناحية اخرى , فصلاحية حل مجلس النواب المنوطة بالملك حسب رأيي لا تستخدم الا اثناء العمر الدستوري للمجلس , ولعل ما يدل على ذلك حكم المادة 73 من الدستور بفقرتيها الاولى والثانية والتي تنص على ما يلي:
1. اذا حل مجلس النواب فيجب اجراء انتخاب عام بحيث يجتمع المجلس الجديد في دورة غير عادية بعد تاريخ الحل باربعة اشهر على الاكثر وتعتبر هذه الدورة كالدورة العادية وفق احكام المادة (78) من هذا الدستور وتشملها شروط التمديد والتأجيل.
2. اذا لم يتم الانتخاب عند انتهاء الشهور الاربعة يستعيد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فوراً كأن الحل لم يكن ويستمر في اعماله الى ان ينتخب المجلس الجديد.
وبالنظر الى حكم الفقرة 1 من هذه المادة فقد بينت انه في حال صدر قرار بحل مجلس النواب فيجب اجراء انتخابات جديده على ان يجتمع المجلس او يدعى للانعقاد بعد تاريخ الحل باربعة اشهر على الاكثر وهي لا تتناقض من نص المادة 68 فقرة 2 المذكورة سابقا والتي توجب اجراء الانتخابات خلال الاربع اشهر التي تسبق انتهاء العمر الدستوري للمجلس القائم ,ذلك ان المادة 68 فقرة 2 تعالج مسألة تحديد العمر الدستوري للمجلس وتاريخ بدءه وانتهائه بينما المادة 73 تعالج مسألة حل مجلس النواب عبر استخدام الصلاحية المنصوص عليها في المادة 34 فقرة 3 وهي صلاحية الحل المنوطة بالملك ويضاف الى ذلك نص المادة 77 من الدستور والتي تنص على ما يلي: (مع مراعاة ما ورد في هذا الدستور من نص يتعلق بحل مجلس النواب يعقد مجلس الامة دورة عادية واحدة في غضون كل سنة من مدته) وهي دلالة واضحة مع منطوق المادة 73 من الدستور على ان صلاحية الحل تكون فقط اثناء العمر الدستوري لمجلس النواب والا ما افرد نص خاص يعالج الوضع القانوني لمجلس النواب بعد الحل , اما الفقرة 2 من المادة 73 فقد جاءت بحكم مشابه لحكم الفقرة 2 من المادة 68 من حيث استمرار مجلس النواب بسلطاته وصلاحياته في حال لم يتم اجراء الانتخابات وانعقاد المجلس الجديد بعد قرار الحل باربعة اشهر على الاكثر لاي سبب من الاسباب ويتجلى ذلك باستعادة المجلس لصلاحياته وسلطاته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن ويستمر في اعماله الى حين انتخاب المجلس الجديد .
وبناء على ما سبق ذكره فانه عند انتهاء العمر الدستوري لمجلس النواب وهو 4 سنوات شمسية فيفض بحكم الدستور بارادة ملكية سامية لانتهاء عمرة الدستوري بالاستناد الى المادة 34 فقرة 2 من الدستور وذلك في حال كانت الانتخابات قد تمت خلال الاربع اشهر والا فهو يستمر بواجباته الى حين انتخاب المجلس الجديد.
لهذا وبرأيي القانوني (واسأل الله التوفيق والسداد بالرأي) ان استخدام كلمة حل في الارادة الملكية السامية يعني وجوب استقالة الحكومة خلال اسبوع من حل المجلس , اما استخدام عبارة (فض مجلس النواب لانتهاء عمره الدستورية) لا يوجب استقالة الحكومة ,من هنا فانه لا يوجد حائل يمنع من صدور ارادة ملكية سامية (كرأي قانوني بحت مع اجلالنا لرأي و مقام صاحب الجلالة المفدى) في حال تم انتخاب المجلس الجديد ضمن مقتضيات المادة 68 فقرة 2 (خلال الاربع اشهر التي تسبق انتهاء المجلس القائم) تقضي بفض مجلس النواب القائم بحكم الدستور لانتهاء العمر الدستوري للمجلس وبذات الوقت دعوة المجلس الجديد للانعقاد .
واخيرا , اود ان اتناول بالحديث تساؤل قد يثور عند الكثيرين ممن يقرؤون هذا المقال وهو : ماذا لو اراد احد اعضاء مجلس النواب القائم بالترشح مرة اخرى للانتخابات التي تجري خلال الاربعة اشهر التي تسبق انتهاء مدة المجلس او العمر الدستوري للمجلس وهل يجب ان يستقيل من المجلس ليمارس حقة في الترشيح؟
في الحقيقة جرى العرف منذ قيام امارة شرق الاردن وبعدها قيام المملكة الاردنية الهاشمية على حل مجلس النواب قبل انتهاء عمره الدستوري و قبل اجراء الانتخابات للمجلس الذي يليه , ولم يكن مجال لعرض مثل هذا التساؤل , ولكن في حال التوجه الى تطبيق النص الدستوري الوارد في المادة 68 من الدستور باجراء الانتخابات خلال الاربعة اشهر التي تسبق انتهاء مدة المجلس القائم فسوف تكون هذه المسألة معروضة بقوة , وحيث انه لا توجد سوابق تسعفنا في هذا المجال فسوف نستعين بالنصوص الدستورية الموجوده وبعض المسوغات القانونية والعملية .
في الواقع لم يرد اي نص في الدستور الاردني ولا في قانون الانتخاب يمنع النائب اثناء تمتعه بصفته النيابية الترشح للانتخابات النيابية للمجلس الجديد او الاستقالة من عضوية المجلس , وانما شمل النص الدستوري في المادة 76 من الدستور وفي قانون الانتخاب الموظفين في الوظائف العامة والمؤسسات الرسمية العامة واعضاء ورؤساء المجالس البلدية الذي اوجب القانون عليهم الاستقالة قبل الترشح للانتخابات بفترة محددة كما منعت ذات المادة الجمع بين عضوية مجلس النواب ومجلس الاعيان, كما فرض الدستور في المادة 74 فقرة 3 على الوزير الذي يريد الترشح للانتخابات ان يستقيل من منصبه قبل 60 يوما على الاقل من تاريخ الانتخاب مع مراعاة المادة 52 من الدستور التي تجيز بمنطوقها تعين وزراء من اعضاء المجلس النيابي , وحيث ان المطلق يجري على اطلاقة فانه لا يمتنع على النائب بصفته النيابية الترشح للمجلس الجديد و لو ارد المشرع ذلك لاورد نص صريح يوجب استقالة النائب المحتفظ بصفته النيابية الترشح للمجلس الجديد.
ولعل من اهم المبررات التي تشفع لرأينا هذا ان النائب لا يعتبر موظف رسميا وانما ممثلا منتخب من الشعب ويتسمد صلاحياته وصفته من الدستور و من ارادة ناخبيه هذا من ناحية , ومن ناحية اخرى فان ترشيح النائب في ظل قيام صفته تلك هي لذات المجلس الذي هو عضو فيه وان ترشيحه لا يؤثر على سلامة العملية الانتخابية بعكس عضو مجلس الاعيان الذي سوف ينتقل الى مجلس جديد او الوزير الذي سيجبر على ترك موقعه لينتقل الى موقع جديد لم يكن عضو فيه .
ويضاف الى ذلك ان اداء النائب كما ذكرنا هو عمل تمثيلي لارادة ناخبية ورضاهم عن ادائه ينعكس عبر اعادة انتخابه من عدمه وبالتالي لا يملك النائب المحتفظ بصفته اذا ترشح اي سلطة للتأثير على الناخبين كالسلطة التي يملكها الوزير مثلا او الموظف العام الذي بحكم وظيفته ربما يؤثر على اردة الناخبين عبر تقديم خدمات ضمن صلاحياته الوظيفية لينال اكبر عدد من الاصوات , ومع ذلك فانني وبرأي الشخصي ارى ضرورة لمعالجة هذه المسالة سواء بالنص عليها صراحة في الدستور او افراد نص خاص في قانون الانتخاب انسجاما مع نص المادة 68 فقرة 2 من الدستور .