معالي الوزير .. ان كنت تدري
د. اسامة تليلان
24-01-2016 11:23 AM
بعض وليس كل وزراء التنمية والشؤون السياسية لديهم رأي يفيد بان القوانين لا تصنع احزابا، وهم يقولون ذلك في معرض الحديث عن اثر النظام الانتخابي وقانون الانتخاب على تفعيل الاحزاب السياسية، وقد صرحوا بهذا الرأي في العديد من اللقاءات وسمعناهم اكثر من مرة يدافعون عن هذا الرأي بصلابة.
في الواقع مثل هذا الرأي يقبل في اطار تعدد الآراء الفردية، لكن عندما يصدر مثل هذا الرأي عن شخوص معينين في فترة من الفترات في دفع عجلة التنمية السياسية فانه يستحق التوقف كثيرا.
واذا كانت احدى اهم معضلات تعزيز الاداء البرلماني وترسيخ الديمقراطية لدينا تتجسد بعدم توفر البيئة المناسبة لتعزيز الحياة الحزبية سواء داخل البرلمان او خارجة، فان مثل هذا الرأي يصبح سببا مباشرا ربما في عدم القدرة على تجاوز هذه المعضلة.
وفي مثل هذه الحالة تقفز مقولة ان كنت تدري فتلك مصيبة وان كنت لا تدري فالمصيبة اعظم.
المصيبة الاولى: ان هذا الرأي يخالف ما خلصت اليه اغلب الدراسات وعلى مستوى العالم في حقل النظم السياسية، والتي تؤكد ان النظم الانتخابية تؤثر في الاحزاب السياسية على ثلاثة اصعدة هي، تمثيل الاحزاب في البرلمان، وتأثيرها على بنية الاحزاب وتماسكها، وتأثيرها على التعددية الحزبية. لا بل انها قد تدفع نحو توليد الاحزاب السياسية وانماء الهيكليات الحزبية كما حدث بتجربة بريطانيا منذ عام 1832.
وتبدو هذه العلاقة بشكل اوضح من خلال مراجعة العديد من التجارب الانتخابية لعدد من البلدان ولسنوات طويلة، فبينما شجعت بعض النظم الانتخابية او الزمت قيام الأحزاب السياسية؛ عملت نظم أخرى من خلال المرشحين الأفراد فقط.
وفي حين يعمل بعض النظم على توفير حوافز للأحزاب لتوسيع قاعدتها الشعبية، فان بعضها يعمل على حصرها ضمن اطر ضيقة، وقد يدفع بعضها بالأحزاب السياسية نحو تشكيل التحالفات فيما بينها أو العكس. كما يمكن ان يؤدي بعضها إلى تشكيل حكومة ائتلافية أو حكومة أقلية، او انفراد حزب، وقد يعزز بعضها مشاركة الاحزاب في الانتخابات وقد يحد منها.
اما المصيبة الثانية : ان يكون اصحاب هذا الرأي على معرفة بالعلاقة الوطيدة بين النظم الانتخابية وقوانين الانتخاب والاحزاب السياسية، ولكنهم يتجاوزن عمدا هذه العلاقة السببية التي باتت تشبه النظرية او المعادلة لتبرير موقف محدد او تشريع محدد، بهدف اقناع الراي العام والجمهور.
الخلاصة لا يمكن ان نصل الى حياة حزبية متوازنة بدون قوانين انتخاب توفر حوافز للأحزاب السياسية للتنافس في الانتخابات العامة وتساعدها على الوصول الى البرلمان، فالأحزاب في اطار الديمقراطيات والنظم الانتخابية لم تعد منافسا للنظام وانما شريكا له، ولا يمكن الاستغناء عن وظائفها النوعية.
ولأولئك الذين لا يزالون يصرون على رأيهم بان القوانين لا تصنع احزابا، ربما عليه ان يعيد هذا الحكم، لان زمن الاحزاب الايدلوجية التي ينضم اليها الافراد وفق انتمائهم الفكري والعقائدي والايدلوجي قد بدأ بالتلاشي مع الموجة الثالثة للديمقراطية التي عبرت العالم.
واليوم نحن في اطار الاحزاب البرامجية ومثل هذا النوع من الاحزاب لا يمكن له العمل في بيئة غير صديقة في بيئة لا توفر التشريعات فيها حوافز للأحزاب، في بيئة ما زالت الثقافة المجتمعية فيها لا تشجع على العمل الحزبي.