ثورة على أخلاقنا الاجتماعية الفاسدة
فايز الفايز
24-01-2016 02:05 AM
لا أفهم كيف أننا نملك ترف الكلام والهذر في القضايا السياسية في الوقت الذي تضرب مجتمعنا الأردني جائحة كبرى ستطيح بما تبقى من أخلاق سليمة وترابط اجتماعي حقيقي، فالرأي العام الأردني ومن قبلهم صنّاع القرار والساسة والمسؤولون يغرقون في هرف الكلام ونقاشات السياسة الدولية والصراعات الدائرة في ما تبقى من دول عربية تحولت الى حطام بعد أن كانت دول كبرى، دون أن يفكر أحد في عامل نفسي إجتماعي مهم كان مغفلاً في تلك البلاد، ألا وهو الكراهية الإجتماعية التي تبنتها أنظمة تلك الدول لضمان تفرقة الناس والجماعات ، ثم في أول صراع سلطوي أو ثورة ضد النظام ظهر مارد الإقليمية والفئوية والطائفية والإصطفافات والإغتيالات وخرج الوحش الكبير من عمق تلك الأنفس التي كانت تتظاهر بالابتسامة الزائفة.
لقد عشنا خلال عام مضى وافتتحنا هذا العام بجرائم عائلية واضطرابات تقودها عقلية القطيع ، دون أن يقف أحد عند ما يجري ويصرخ بأعلى الصوت ومن على أكبر المنابر ليقول: يا قوم إننا في خطر وإن الإرهاب الاجتماعي أخطر من الإرهاب القادم من الخارج ، فنحن بتنا أخيرا فلاسفة في التنظير عن مشاكل الآخرين دون أن نكلف أنفسنا للالتفات لما يجري داخل بلدنا من جرائم عائلية واجتراء على السلم الأهلي وتصدّع سدود الأخلاق والخجل واحترام الآخر ، فيما نحن نتفاخر بميزتنا الاجتماعية بين عربان العرب في كل مناسبة ، ثم نرى هذا الكم من «الحروب الباردة والساخنة» في مجتمعنا لأتفه الأسباب ، حتى ضرب الإعصار الهمجي بيوتنا وبلداتنا ومدارسنا وجامعاتنا التي تحولت الى ميادين تصفية حسابات وتفاخر على حساب التعليم ومستقبل الأجيال.
لن نتدخل في قضايا وجرائم عائلية ونعود لنفسر المفسر،ولكن ومباشرة سننفخ في البوق الكبير: لقد حان الوقت فعليا لثورة على أخلاقنا وتربيتنا وموروثنا الاجتماعي المتخلف، وهذا المنتج الشبابي المتنمرّ وإن كان لا يقاس عليه فإنه بات خطرا يهددنا ،حتى بات أصغر صبي في الشارع يتعامل بتكبر وتجبر وكأنه السلطان هولاكو، والجميع مع احترامنا للجميع يستجرون تاريخ أجداد الأجداد حتى لو لم يعرفوا اسم الجد الأول، بداعي التفاخر والتمايز وازدراء الآخر وحتى إلغاء الآخر لو كان ابن عم أو قريب ،ثم يخرج علينا شخص نكرة غير معرّف الهوية، ترى عليه أثر «همالّة الرجال» وإذ به يسجل مقطع فيديو ليحدثك عن صولات وجولات وحوادث قتل بين العشائر والعائلات حدثت في ما سبق من عقود طويلة ، فيوغل به صدور الجهلاء،أو يشجع غيره على اختلاق القصص الكاذبة ليغذي نزعة الجاهلية بين الناس.
إن التغذية المتخلفة التي انتجتها البيوت ثم المجتمع، والتي دعمها تخلي الأب والأم ثم المدرسة والمسجد عن دورهم التربوي الصحيح والسوي أدى الى تمرد الأبناء حتى لم يعودوا يحترمون صغيرا ولا كبيرا ولا يقدرّون منتجهم الوطني الأصيل، ولا يعرفون تاريخهم السياسي والإجتماعي الحقيقي، وأصبح الجميع كالإمعات يرددون ما يسمعون دون تفكير ولا نقد أو تحرٍ عن الحقيقة، و أصبح الجميع ينتظر أي مناسبة ليطلق النكات السخيفة بهدف تسخيف القضايا الخطيرة والمهمة، وهذا ما جعل الشباب غير آبه بأي معايير أخلاقية وتجاوز ذلك الى عدم الخشية من العقاب فشهدنا ما شهدنا من جرائم قتل وتحريق ونهب وسرقة وتخلٍ عن المسؤولية الأدبية
إن الارتفاع المخيف في مؤشر الجريمة العائلية وما يتبعها من اعتداء على ممتلكات الأقرباء الأبرياء،وعدم إحترام قدسية الجار والقريب وكبار السن في بلدنا يعود الى فشل ذريع في تربيتنا الوطنية وترك الأولاد لتربية الشارع والإنترنت وأفلام العنف بلا ضوابط أخلاقية أو دينية.
هنا يأتي دور الحكومة المتساهلة مع مرتكبي الجرائم من السرقة البسيطة حتى القتل والترويع، فتجميد عقوبة الإعدام شجعت المنحرفين تربويا وأخلاقيا الى ارتكاب جرائمهم دون حساب للعواقب، فمطالبات منظمات الحقوق الغربية وإجبار السلطات الأردنية لوقف عقوبة الإعدام هي جريمة بحد ذاتها، فالله تعالى خالق الإنسان قال « ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب» وأولو الألباب هم أصحاب العقول، فإن كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما بكى لعدم استطاعته سن تشريع يحمي الأطفال من جرائم السلاح هناك، ألا يبكي مسؤول في بلدي على ما يجري عندنا.
الراي