هناك حملة منظمة لتشويه حالة الاستثمار في الأردن بوسائل أقل ما يقال فيها أنها إرهابية: المقاولون الإنشائيون رحلوا إلى تركيا، ثلاثون شركة نقل تنسحب من المملكة، سبع شركات تعتزم الانسحاب من سوق الماركات التجارية، ثلاثون شركة مساهمة عامة متعثرة مدرجة في سوق عمان المالي، والبقية تأتي.
هذه الأخيار والعناوين الصارخة تمثل مبالغات، أو تعتمد على عبارات يطلقها البعض للضغط على المسؤولين والحصول منهم على امتيازات غير مستحقة تحت تهديد الانسحاب المزعوم، أي أن بعضها يدخل في باب الابتزاز.
سأفترض جدلاً أن هذه الانسحابات صحيحة، فالسوق الأردنية حرة، يسهل دخولها لمن يشاء، والخروج منها عندما يشاء، فالمستثمر الخارجي ليس سجيناً أو رهينة، وفي مقابل عشرات الخاسرين والمغادرين هناك مئات الرابحين والقادمين.
الشركات والماركات وغيرها تنسحب - إذا انسحبت فعلاً-لأنها فشلت، ومن المفيد لها وللاقتصاد الاردني على السواء أن تنسحب، فنحن لا نريد استثمارات خاسرة وفاشلة.
بالبحث اتضح أن الشركات المنسحبة تمثل أقلية صغيرة من مجموع الشركات الناجحة العاملة في نفس القطاع، ويوفر انسحابها فرصة أكبر للشركات الناجحة لكي تتوسع وتزيد أرباحها وتستقطب عمالاً ذوي خبرة.
ليس هناك نقص في السوق في مجالات الإنشاءات والنقل والماركات التجارية. وانسحاب بعض الشركات، إذا حصل فعلاً، لا يخلق أزمـة بل يمثل تصحيحاً وتصفية، حيث البقاء للأصلح والأكفأ.
أكثر الشركات المنسحبة كانت تمارس أعمالاً تجارية من المفروض أن تكون محصورة بالمواطنين، ولكن سياسة الانفتاح سمحت بإعطائها الفرصة. سياسة الانفتاح هذه تعمل بالاتجاهين، مثل الجسم السليم الذي يأخذ ما يفيد ويطرح الفضلات.
لم تزعم أية شركة منسحبة أنها تفعل ذلك بسبب كثرة الضرائب أو لأن الحكومة تفرض عليها قيودأً لا مبرر لها، أو أنها مهددة وينقصها الشعور بالأمن. فيما عدا ذلك يبقى الباب مفتوحاً، نرحب بالقادمين الكثر ونودع المغادرين القلة، مع الرجاء أن لا ينسونا بالمكاتيب!.
مناخ الاستثمار في الأردن ليس مثالياً، ولكنه في تحسن مستمر وإن كان بطئياً، وبالتالي فإن المناخ الراهن أفضل كثيراً أو قليلاً مما كان عندما جاء هؤلاء المنسحبون.
قبل أن يغادر المنسحب عليه الحصول على براءة ذمة، ليس من ضريبة الدخل والمبيعات فقط، بل أيضاً تجاه الموردين الدائنين، والعمال الذين يستحقون تعويضات عادلة.
الراي