في صحافة النخبة الأميركية اعتراضات على إطلاق صفة حرب على عمليات داعش وأضرابها من المنظمات الإرهابية العاملة في سوريا وما يقوم به الحلف الدولي من تسديد ضربات لداعش. حجة هؤلاء المعترضين أن الحرب تكون بين الدول، وداعش ليست دولة، كما أن وصف ما يجري بأنه حرب يرقى بالمقاتلين الإرهابيين إلى مرتبة الجنود، مع أنهم لا يملكون شرف الجندية.
هذا مفهوم ولكن في المقابل فإن الذين يطلقون على ما يجري بأنه حرب عالمية، لا يقصدون هذا المعنى الفني للكلمة، بل إبراز الشمولية في ضرورة اتخاذ المواقف الحاسمة، فالقضية تهم العالم بأسره، لأن أحداً لن ينجو من الإرهاب إذا سُمح له بالصمود والتوسع.
بعبارة أخرى فإن اصطلاح «حرب عالمية ثالثة» يقصد به تحميل جميع دول وشعوب العالم مسؤولية محاربة داعش والنصرة وطالبان وباكوحرام والشباب وغيرها. وعدم ترك ذلك على كاهل جيوش الدول المستهدفة مباشرة.
حتى بعد هذه النظرة من زاويتين مختلفتين لظاهرة الإرهاب ومقاومته، ووجود منطق في كل منهما، فإن الواقع يظل يفرض نفسه:
ماذا يعني احتلال أجزاء واسعة من أراضي سوريا والعراق، وماذا تعني عمليات قطع الرؤوس وإرسال الإرهابيين لترويع عواصم العالم إن لم تكن حرباً شعواء.
داعش ليست دولة متحضرة، ولا تنتمي إلى مجتمع الدول في القرن الحادي والعشرين، ولكنها دولة من حيث أنها حكومة محلية منظمة، تسيطر على أرض تزيد مساحتها عن بريطانيا، وعلى مدن يزيد عدد سكانها عن مليون نسمة، ولديها مراكز تدريب، ومؤسسات تفرض ضرائب وتشغل وسائل إعلام واتصال بكفاءة عالية، ولديها فروع ناشطة تسيطر على أراض ٍ في سيناء وليبيا واليمن، وخلايا نائمة في معظم البلدان العربية والإسلامية، فضلاً عن دول أوروبا وأميركا.
نعم الحرب على داعش ليست مثل الحرب العالمية الثالثة ضد ألمانيا النازية واليابان الامبراطورية وإيطاليا الفاشية، ولكنها حرب عالمية من نوع خاص قد تكون أشد خطورة، لأن داعش الإرهابية لا تعمل في مواجهة خصومها فقط بل وراء خطوطهم أيضاً، ولديها أنصار ومؤيدون أكثر بكثير مما يريد أن يعترف به خصومها.
داعش ليست دولة فقط بل دولة قوية لها علاقات حميمة مع دول يعرفها الجميع، ويعجز حلف دولي من 60 دولة برئاسة القوة العظمى عن هزيمتها بحيث لا تطمع بأكثر من إضعافها أو احتوائها.
الرأي