الصبر ليس فقط مفتاح الفرج بل ايضا بوابة المستحيل الى الممكن . الخروج من عنق الزجاجة الى فضاء لا متناه . شاسع كقلب أم . مضيء كقلب اب .ودافىء كحضن جد وجدة .
بعد سنوات انتظار جاءت « سوار الذهب». ليست الحفيدة الاولى لكنها هي التي تاخرت فكان الشوق اليها مضاعفاً والفرح بقدومها مضاعفا ايضاً . منذ اللحظة الاولى كان لاطلالتها رائحة نور، نكهة خير، طعم فرح وشكل ملائكة . اجمل مما كنا نتخيل، اغلى مما كنا نعتقد . كلنا كنا هناك، ابوها محمد وجدتها وعمها وعمتها وجدها وجدتها لامها وخالها و...أنا طبعاً. الكل انتظر وفرح . لقد جاءت سوار المنتظرة . لم نأبه لتعليمات الممرضة، ولا لتوصيات الطبيب ولا قوانين المستشفى .تجاوزنا كل شيء فالفرح تجاوزنا سنوات ومرّ عنا وها هو يعود الينا، يأتينا بالغالية، هدية الخالق لعباده الصابرين .
قبّلتها وشممتها فان اكثر ما احب في الاطفال رائحتهم الطازجة النقية كماء السماء التي لم يستطع اشهر مصنعي العطور في العالم ان يوجد مثلها . لا استي لودر ولا جافنشي ولا شانيل ولا جوسي كوتور ولا دوفيدوف ولا مونت بلانك ولا ولا ولا...شعرت اني اعرفها من زمان . كان ابوها مرتبكا بين ان يصدق او لا يصدق، يضحك ام يبكي .فقط يتمتم «الحمد لله..الحمد لله «. اما امها فمنذ ان فتحت عينيها بعد الم الولادة، ثاني أقسى ألم في الحياة ويأتي مباشره بعد الحرق حياً .يقول العلم، ان معدل الألم الطبيعي الذي يستطيع أن يتحمله الانسان 45 وحدة ألم ,بينما المرأه عند الولادة تتحمل 57 وحدةَ ألم وهذا الألم يشبههه أو يساوي ألم كسر 20 عظمة . والأم هي التي اوصى بها الرسول ثلاث مرات وبعدها الاب . ام سوار كانت تهذي وتبكي وتبكينا وهي تقول للممرضة « بنتي بنتي بدي بنتي « وراحت تحضنها وتشمها وتبكي . ما احن الأم، ما أغلى الابن، ما اقدس حكمة الله في خلقه ! وما اغلى سوار عندي . كم تعلقت بها وتعلقت بي .ظلت تكبر بيننا، ومن حسن حظنا ان امها معلمة وبيتنا روضتها وهي جنتنا . يحضرها ابوها صباحا ويذهب الى عمله . كانت تكبر وصرت اصحو على موعد مجيئها، احضنها، تحضنني، تضع راسها على كتفي، احيانا تكمل نومها واحيانا تلعب معي، وحين تفتقد جدتها تقول « نينا ( وينها ) تيتا ؟» اتركها تمشي ، تذهب الى جدتها تربت على خدها بيدها اللينة كحلاوة الجنة وبلطف توقظها فتحضنها تشمها وتدللها ثم تاتي عمتها لتجلس سوار بين قوسين من الحب .و..هات يا دلال .
اقول عنها هي هدية من الله، أرى فيها كل اولادي . كل من يراها يحبها، جمال وذكاء وخفة دم وثقة مبكرة بالنفس .هي رفيقتي في مشوار الخميس الذي اخرج فيه مع العائلة خارج عمان نتمتع بجمال طبيعة بلدنا من الرمثا الى العقبة .اصبحت سوار صديقة اصدقائي على الفيس بوك لكثرة ما انشر صورها معي وان تاخرت يسألوني عنها.
لا تخشوا ان تصبحوا اجداداً فتكبروا بل بهم تتجددون . في احفادكم ترون ابناءكم الذين لم تسمح لكم مسؤوليتكم المباشرة عنهم ان تتمتعوا بهم .
وفعلا «ما اغلى من الولد إلا ولد الولد « .
الدستور