خالد محادين تعافى وعمليته نجحت بحمد الله ..
29-06-2008 03:00 AM
نجحت عملية جراحية معقدة خضع لها أمس في لندن الكاتب الصحافي خالد محادين، وذلك بعد أن زرعت في كبده قطعة من كبد ابن شقيقه عبدالله شاكر (21 عاما). ويتماثل الزميل "أبو سنان" للشفاء في غرفة العناية الحثيثة، وإلى جانبه نجله سنان وابنته صبا، بعد تسع ساعات تحت مباضع الجراحين. قبل ذلك اقتطع الجراحون 60 بالمائة من كبد عبدالله في عملية منفصلة دامت زهاء خمس ساعات. جسم عبدالله يفترض أن يعود لطبيعته لأن كبده سينمو مجددا إلى وضعه الطبيعي..عمون تهنيء الزميل العزيز بنجاح العملية وبالسلامة .
وكان محادين كتب امس المقال التالي في الراي :
سيدي صاحب الجلالة ..
اجلس للكتابة اليك قبل ست ساعات من اخذي من غرفتي الى الطابق الارضي من المستشفى، حيث غرفة العمليات جاهزة لاستقبالي، بعد شهور كثيرة وطويلة من الانتظار، وهذا الكبد الذي يواصل عمله تشمع حتى كاد يتوقف، وهذه الواجبات المكلف بأدائها؟ وهي اكثر من خمسمائة واجب يؤديها متعب من شيخوخته، وربما، ربما لهذا السبب وصفوا ابناءنا بأكبادنا التي تمشي على الارض.
اشعر وانا اكتب اليك رسالتي بشعورين يمتزجان معاً: شعور بالطمأنينة التي لولاك ما كان لها ان تسكن قلبي في مثل هذه الساعات من الاستسلام التام لوجوه غريبة وعيون غريبة واصابع غريبة، تستعد لحمل المباضع الكثيرة وفتح جوفي من اقصى يساره الى اقصى يمينه، اما الشعور الثاني فهو بعض خوف من ان تكون هذه الرسالة آخر ما كتبت في مشواري الطويل الذي تجاوز العقود الاربعة، وان عناية الله ورحمته لن تتيحا لي العودة الى الوطن الذي احببت وما احببت سواه، والى القيادة التي ومنحت لها ولائي ولم ارتكب ولو لحظة واحدة خيانة ان يكون هذا الولاء لغير هذه القيادة، لكن هذا كله يمنحني احساساً يصعب وصفه في ان استسلامي لمباضع الجراحين لم يسبقه استسلام من أي نوع في دفاعي عن وطني وفي حمل دفئه وعشقه وامنه دون ان يجردني من وطنيتي اغراء او ينتزعها مني وعد او وعيد او خوف.
سأدخل غرفة العمليات يا سيدي، فأجد حول المنضدة المعدة لجسدي وجوهاً وراء اقنعة تغطي افواهها وانوفها، سيكون هناك لون ابيض ولون ازرق، وسيكون مع الجراحين اطباء في اختصاصات كثيرة وممرضون وممرضات يقدمون العون لهؤلاء الذين سيقضون ست ساعات على الاقل، قبل ان ينتزعوا كبدي القديم المريض ويزرعوا مكانه قطعة من كبد ابن اخي، ووحدك يا سيدي ستكون الى جانب المنضدة، لاقناع يغطي الوجه ولا كفوف تلبسها الاصابع، اتجه بنظراتي اليك، فيأتي اليّ كل الفرح الموعود وكل الطمأنينة والسكينة، كأن الاردن فتى جميل يقف الى جانبك وكأن عمان الصبية التي احببتها وغنيت لها، وهربت الى شوارعها وبيوتها واشجارها كلما احسست ان العالم كله اصغر من علبة ثقاب، سأرفع يدي لك تحية محبة وصباح مختلف، وسترد على تحيتي بالابتسامة التي رأيتها دائماً تغطي مساحة وجهك، كما تغطي الأنفة والكبرياء وجه الوطن كله، سأواصل النظر اليك والحديث معك بلا كلمات، حتى تبدأ النظرات في الذبول، وحتى ادخل في الغيبوبة التي حملتها الى جسدي ما اودعوا فيه من اسباب التخدير، سيكون وجهك آخر الوجوه التي أراها قبل رحلتي تلك ساعات، لن يكون مبضع في يدك بل حفنة من تراب الوطن تضوع في الغرفة، ولن تكون ابرة وخيوط بين اصابعك بل قناطر وبوابات لا تقود الى غير الاردن والى غير عمان.
سأحاول ان اقول بضع كلمات قبل ان ابدأ بالغفو فلا استطيع ان اقولها سوى بالنظرات (ان سلّم يا سيدي على الأهل والاحبة، وكلهم اهل واحبة والله).
عندما اعطيت امرك الملكي السامي بسفري الى لندن وبزراعة كبد جديد لي على نفقتك النبيلة، شعرت ان رحلتي الى الشفاء تقطع اكثر من نصف الطريق، وعندما حاولت ان اكتب اليك يا سيدي رسالة محبة وولاء كهذه الرسالة لم استطع، كانت رعايتك اكبر من قدرتي على الشكر، وكان عطفك اعمق بأكثر من الف مرة على الشكر، وكان قرارك بأن اكون في لندن الان، وفي غرفتي في مستشفى كرومويل، وفي طريقي الى غرفة الجراحة بعد ساعات مما لم استطع ان اقوله في كلمات كثيرة او قليلة، اذ ماذا في وسع شاعر مثلي وعاشق مثلي ومسكون بولائه لقائده وانتمائه لوطنه، ان يقول وهو يوشك ان يلف جسده ثوب الوداع الابيض في رحلته الاخيرة الى الله، فاذ به يستعيد عافيته ويرتدي اجمل ثيابه واحلامه واصدق قصائده ويزداد ؟ على كل معرفته ؟ معرفة بقيمة الانسان في وطن انت ترعاه وتبنيه وتذود عنه وتحلم به وطناً ليس للاخرين مثله.
اذا قدر لي يا سيدي ان اخرج معافى من هذه التجربة الانسانية، فسأظل اطلب من الاطباء موعداً اجلس فيه على مقعد، امامي ورقي وفرحي وبين اصابعي قلمي وطمأنينتي، لأكتب اليك لانك الذي منحني بعد عناية الله عنايته، وبعد رحمة الله رحمته، وبعد رعاية الله رعايته، وربما لن استطيع العلو لاقترب منك بأصدق ما يجب ان اكتب اليك، انت الذي منحتني الاحساس بطفولة وحدك ابوها، واعطيتني الاحساس الذي ظل الهاشميون يمنحونني محبة ورعاية وعطفاً، اكبر من الكلمات وحتى اكبر من نظرات الامتنان التي تقولها عيناي، عندما اقف قدامك بكامل محبتي للوطن ولك وللأردنيين ولأسرتي الصغيرة وكل الزملاء والاصدقاء، فتقبل مني يا سيدي عميق محبتي وكثير ولائي وكل ما اعطيتني فاحاول ان ارد بعضه اليك مغسولاً بدمع صادق.
kmahadin@hotmail.com
الراي