قانون الانتخاب ونكسة المسار التطويري في الاصلاح
د. اسامة تليلان
20-01-2016 12:19 PM
منذ العودة الى الحياة البرلمانية عام 1989 وحتى عام 2013 شهد الاردن انتخاب سبعة مجالس برلمانية وفق عدة انظمة انتخابية والعديد من القوانين الانتخابية وتعديلاتها؟، وقد اتسمت هذه الانتخابات بضعف مشاركة الاحزاب السياسية فيها بصورة معلنة وذات طابع رسمي حزبي، باستثناء محدود في بعض الحالات، واستثناء اخر يتعلق بحزب جبهة العمل الاسلامي الذي غالبا ما خاض الانتخابات بصورة معلنة.
وقد شهدت السنوات الممتدة من عام 2011، وبدعم من جلالة الملك للمشروع الاصلاحي الوطني، صدور عدة مشاريع قوانين انتخاب حملت في طياتها روح جديدة في فلسفة القانون، وذلك عندما بدأت تدخل فكرة الدائرة العامة والقائمة الوطنية او القائمة الحزبية على النظام الانتخابي، بهدف تحفيز الاحزاب للمشاركة في الانتخابات النيابية وتعزيز فرصها في الوصول الى البرلمان.
اول هذه المشاريع جاء في منتصف عام 2011 وتحديدا في شهر ابريل، بعد ان حظي مشروع تقدمت به حول قانون الانتخاب بالقبول، يدعو الى ادخال نظام القائمة الوطنية المرتبطة بالأحزاب السياسية واعتماد نظام الدائرة العامة الى جانب الدائرة المحلية، بالإضافة الى مبادئ اخرى.
وقد تم الاخذ ببعضها وصدرت في مشروع قانون للانتخاب في حكومة دولة السيد عون الخصاونة، وقد نص المشروع على القائمة الحزبية في اطار الدائرة الانتخابية العامة، وبموجبه منح الناخب صوتا ثانيا في الدائرة العامة، الا ان مشروع القانون لم يتحول الى قانون رسمي مع صدور اراء اخرى، واهمها تلك التي ناقشت مدى دستورية ان تكون القوائم مرتبطة بالأحزاب السياسية.
ثم جاءت بعد ذلك مخرجات لجنة الحوار الوطني حول النظام الانتخابي، حيث تقدم دولة السيد طاهرا لمصري رئيس لجنة الحوار بمقترح في اخر جلسة من جلسات لجنة الحوار يقضي بإدخال القائمة الوطنية او الدائرة الانتخابية العامة وقد تم قبول المقترح.
وبذلك تكون اولى الخطوات قد بدأت بالتراكم في مسار التخلي عن فكرة الاعتماد على الدوائر المحلية بشكل حصري، وعلى الصوت المحصور في اطار المحافظة، فمع صدور مخرجات لجنة الحوار الوطني وقرار المجلس الاعلى لتفسير الدستور حول القوائم الحزبية، تم اعتماد نظام الدائرة العامة والقائمة الوطنية العامة في مشاريع قوانين الانتخاب التي صدرت بعد ذلك.
ويمكن النظر الى هذا التطور في النظام الانتخابي مع الزخم الجديد الذي جاء مع طرح جلالة الملك رؤيته عبر الاوراق النقاشية الملكية للإصلاح السياسي في الاردن، وتحديد هدف عملية الاصلاح الرئيس بالوصول الى الحكومات البرلمانية وتأكيدها على اهمية الاحزاب السياسية في اطار النظام السياسي والنظام البرلماني.
وعلى اثر ذلك، اعيد تسليط الضوء من جديد على النظام الانتخابي وعلى البرلمان والاحزاب السياسية على اعتبارها تشكل الروافع الاساسية للوصول الى الحكومات البرلمانية.
وقد ظل السؤال الرئيسي المتعلق بالبرلمان يكمن في كيفية العمل على انتقال البرلمان من الاعتماد على الافراد الى الكتل البرلمانية المنتخبة من قبل الشعب وفق لبرامجها، للوصول الى برلمان فاعل يستند إلى كتل برامجية تشكل بمجموعها منفردة أو مؤتلفة ثنائية الأغلبية والأقلية (الحكومة والمعارضة) في البرلمان.
وقد دارت نقاشات كثيرة حول الكيفية الامثل في عملية الانتقال، ونقاشات حول اهم العوامل المساعدة في هذه العملية، وقد خلصت معظم هذه النقاشات الى جملة من العوامل التي يأتي في مقدمتها:
اولا: مدى قدرة الاحزاب السياسية على المشاركة في الانتخابات النيابية ووصولها الى البرلمان، على اعتبار انها تشكل في جزء من وظائفها الية انتخابية تحقق فكرة تشكيل الكتل المستقرة داخل البرلمان.
ثانيا: قانون الانتخاب والنظام الانتخابي وذلك من منطلق ان هناك علاقة قوية بينهما وبين الاحزاب السياسية، على اعتبار انهما يشكلان حافزا لمشاركة الاحزاب في الانتخابات وزيادة قدرتها على الوصول الى البرلمان او العكس.
وعلى ذلك جرت الانتخابات النيابية للمجلس السابع عشر لعام 2013وفق نظام انتخابي جديد منح بموجبه الناخب صوتين: صوت للدائرة المحلية المسجل فيها (نظام الصوت الواحد غير المتحول) وصوت للدائرة العامة (نظام القوائم النسبية المغلقة)، واصبح بذلك اقرب ما يكون للنظام المختلط.
وبموجب هذا النظام فقد شهدت انتخابات عام 2013 ووفق قانون الانتخاب رقم 25 لعام 2012 وتعديلاته، اوسع مشاركة رسمية معلنه للأحزاب السياسية منذ عام 1989 كما شهد هذا المجلس اعلى نسبة مقاعد تحصل عليها الاحزاب السياسية من خلال المشاركة الرسمية والمعلنة، وشهد ايضا تشكل كتل من بعض القوائم الحزبية والقوائم الاخرى استمرت طيلة عمر هذا المجلس.
وبذلك يمكن القول ان مخرجات نتائج هذا القانون والنظام المختلط قد شكلت بداية الطريق نحو الانتقال بالبرلمان الى الاداء الكتلوي، والانتقال التدريجي نحو التأسيس لفكرة الحكومات البرلمانية، وكان المتوقع ان يأتي مشروع الحكومة في قانون الانتخاب الجديد معزز ومطورا للقانون السابق والبناء على مخرجاته.
بحيث يحاط تشكيل القوائم بعدد من المعايير والحوافز التي تعطي مساحة افضل للأحزاب السياسية في التنافس على المقاعد البرلمانية وبما يعزز حضورها الكتلوي في المجلس النيابي، وكان من شان مثل هذه الخطوة ان توفر حوافز غير مباشرة لأثراء الحياة الحزبية.
لكن ما جرى على ارض الواقع ليس كذلك فالحكومة تقدمت بمشروع قانون جديد الغى القائمة الوطنية والدائرة الانتخابية العامة والصوت الثاني على مستوى الوطن، وعادت الى الدوائر المحلية فقط وان بقوائم نسبية، وبذلك لم تراكم على التجربة السابقة بل ولغت المسار التطويري في عملية الاصلاح السياسي والوصول الى الحكومات البرلمانية او الانتقال بالبرلمان الى الاداء الكتلوي والذي يعد اهم نقطة اصلاحية برلمانية منتظرة.
وفي ظل محددات السلوك التصويتي للناخب الاردني في اطار الدائرة المحلية حتى وان امتلك عدة اصوات، فإن قدرة الاحزاب على الوصول الى البرلمان ستتراجع بشكل حاد ربما كما كانت قبل انتخابات 2013، ولا ندري ان كانت ستشارك مشاركة واسعة كما شاركت في انتخابات عام 2013 ام انها ستعود مجرد ديكور ديمقراطي للاستهلاك العام.