المواطن بين فكي الاجراءات والواسطات
د. عادل محمد القطاونة
20-01-2016 02:14 AM
اوراق ومستندات، تواقيع واختام، طوابق وادراج، صراخ وكلام، وبين موظف موجود وموظف مفقود، وبين مسؤول مجاز ومسؤول منحاز يتأوه الالاف من المواطنين الاردنيين بين دوائر حكومية مشتته في مكانها، تائهة في مهامها، تحكمها الاجراءات تارة وتمليها الواسطات تارة أخرى !
وفي خضم هذه المعمعة يتساءل المواطن، ما هو السر في اختيار المؤسسات الحكومية وخصوصاً الخدمي منها في وسط البلد والشميساني وجبل عمان وفي اكثر الاماكن اختناقاً للمرور ليجد المواطن نفسه بلا موقف او عرضة للمخالفة للوقوف في مكان ممنوع، ويتساءل البعض الآخر هل كان من الممكن ان نخرج ببعض المباني التي تكفل تحقيق الفعالية، وعلى سبيل المثال لا الحصر وزارة المالية بدوائرها المتعددة من ضريبة للدخل والمبيعات مروراً بالجمارك والموازنة والاراضي وكلها دوائر حيوية كان من الممكن ان تخصص لها مباني او اراضي يتم البناء عليها ضمن مناطق اقل ازدحاماً على طريق المطار او في بعض المناطق التي يمكن ان تضم مواقف لالاف السيارات عوضاً عن اذلال المواطن وهو يقفز من طابق الى طابق منتظراً الفرج في خروج احد المواطنين.
بعيداً عن المواقف يستغرق المواطن في بعض مؤسسات الدولة اياماً من التنقل بين قسم وقسم، مكتب ومكتب لانجاز بعض المعاملات التي يتم معالجتها في دقائق في بعض المؤسسات المشابهة في الكثير من الدول المتقدمة وليس اقل من ذلك ما يحصل في بعض دوائر وزارة الصناعة والتجارة ووزارة المالية الا اذا تدخلت الواسطة في الموضوع، فعند الواسطة يمكن للمواطن السوبر ان يختصر الزمن والجهد فهو من طرف فلان !!
ان تعقد الاجراءات وتناقض التعليمات وكثرة المواضيع وتعدد التواقيع في ظل حكومة تتغنى بتطبيق الحكومة الالكترونية في زمن يتغنى فيه العالم الغربي باخر تطبيقات الحكومة الذكية يقودنا الى الحقيقة الابدية التي مفادها ان الاصلاح الحقيقي يبدء من تغيير النمط الفكري التقليدي المستند الى البيروقراطية في تعدد الاجراءات بحجة الرقابة تارة ومكافحة الفساد تارة اخرى !! ولم يتسنى لقادة الفكر البيروقراطي الالتفات الى ان الفاسد ليس بحاجة الى تواقيع ومستندات فالفاسد يملك من الادوات والمؤهلات ما تمكنه من الالتفاف على جميع الاجراءات الحكومية دونما رقيب او حسيب.
أخيراً وليس آخراً فان دائرة الايرادات في بريطانيا HMRC والتي تضمن اغلب الدوائر المالية على سبيل المثال لم تستقبل مراجعاً واحداً منذ أكثر من خمس سنوات من اجل تقديم كشف للتقدير الذاتي او اعتراض على مبلغ ضريبي، كمان ان للخبير الضريبي والمدقق القانوني قوة في فرض وتطبيق القانون، في تلك الدول يدرك الجميع المعنى الحقيقي للشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام بعيداً عن الجهوية واغتيال الشخصية، بعيداً عن التعينات الانتقائية تارة والأسس والمفاضلات تارة أخرى فالانارة في غرف تلك الدول واضحة والاجراءات لا تحتمل القسمة على مدعوم ومهضوم فالقانون هو الحلقة الاقوى في معادلة الوطن الامثل التي تكفل للجميع العيش بكرامة دونما تعقيد في المفاهيم او تهميش للمداخيل.