أتذكر أول يوم كان لي في الجامعة , قلت في داخلي سأجري توازنا بين الحب والدراسة , أنا لن أكون عاشقا فقط ...وأترك الكتاب .
كانت المحاضرة الأولى للدكتورة نسيمة حمدي ..في كلية التربية , وأتذكر أني حضرت إلى الجامعة في الثامنة صباحا , مرتديا قميصي الأحمر ..وكلي ظن بأن هذا اللون ..سيجعل البنات يقعن في شباكي ...ووضعت قليلا من زيت الشعر على رأسي ...كنت متأثرا وقتها بعزيز جلال في أغنية :- (أمونة بعتلها جواب) ...
قرأت الدكتورة الأسماء :- إنتصار , منى , رهف , ساره , تمارا ....إلخ وعند كل اسم كان القلب يخفق ...ولكن تغريد جاءت متأخرة قليلا , فأعادت الدكتورة البحث عن اسمها ووجدته في ذيل القائمة .
أنهينا المحاضرة , وخرجت عند باب الكلية , حيث جلست على حواف الدرج ..وكلي ظن بأن البنات اللواتي سيقمن بالمرور من هنا , سيرمقنني بنظراتهن وأنا سأختار ..من يهفو قلبي لها , قلت في داخلي يابن المجالي :- هذا يومك ..وسنفتح بوابات القلب مشرعة للعشق ...وللوطن وللحياة .
مرت ساعة كاملة , ولكن البنات عبرن بشكل طبيعي ..لم تكن النظرات حنونة ولا حتى الكلمات ..وأنا قلت ..ربما يحتاج الحب للوقت , وفجأة داهمني صوت (أبو خالد) وهو مراسل شهم يعمل في مكتب عميد الكلية ..وكان صديقي قبل إلتحاقي في الجامعة الأردنية , فقد تزاملنا على مدرجات إستاد عمان الدولي ونحن نهتف للفيصلي ...وللعلم (أبو خالد) كان مواظبا على حضور مباريات الفيصلي مثلي .
المهم وجدت صديقا لي في الجامعة , وصرت كلما أنهي محاضرة أذهب عند أبو خالد ...ونتحاور حول أداء صبحي سليمان , وراتب العوضات , وقيام (أبو أنور)المدير الفني للفريق (رحمه الله) ...بتهديد الحكم ...
أول أمس ذهبت للجامعة الأردنية للقاء أحد استاذتها , ومررت من جانب الدرج الذي جلست عليه بعد أول محاضرة في العام (1991) ..ومرت البنات من جانبي وعدت لذاك الزمن , وقد وجدت أن العيون تغيرت ..والبنات تغيرن ( وأبو خالد) مات ..ولم يعد صوته الهادر يملا ممرات الكلية , ولكني عدت لذاك الزمن وكأنني ما زلت أطمع في الغرام ...غير أني لم أكن ألبس قميصي الأحمر , وشعري إعتراه القليل من التصحر ...والشيبات , نبتن في اللحية والشارب ...ولكن قلبي ما زال يبحث عن الحب .
قلت في داخلي وأنا جالس على ذاك الدرج القديم الذي رد في الذكريات :- الأردني يمضي حياته بحثا عن الحب ولا يجده ..وجدنا القليل من النفط ووجدنا القليل من الغاز والكثير من البوتاس والكثير من الفوسفات ...ولكننا لم نجد الحب بعد ..
وها أنا أمضي في هذا العمر المتعب الخطى , باحثا عما هو أثمن من النفط وأثمن من الغاز وأثمن من الذهب ... باحثا عن الحب.
عن الرأي