حل مجلس النواب .. لا ينشأ العرف بمخالفة النص
19-01-2016 11:51 PM
طالعت تعقيبا لمعالي الأخ الدكتور نوفان العجارمة رئيس ديوان التشريع والرأي على مقال لي نشرته في موقع عمون قبل أيام قليلة بعنوان "مصير مجلس النواب والحكومة والاستحقاق الدستوري".
ولا أختلف مع الزميل الفاضل من زاوية صدور أكثر من ارادة ملكية سامية بحل مجلس النواب منذ عام 1952 وحتى عام 2012 ولكنني لا أقره على أن من شأن حالات الحل هذه ان تشكل عرفاً دستورياً مكملاً يكون له حكم النص الدستوري ويوجب حل المجلس قبل انتهاء مدته تمهيداً لإجراء الانتخابات النيابية المقبلة. كما لا اتفق مع الزميل الفاضل في قوله أن "العرف الدستوري يصلح اساساً لتفسير النصوص الغامضة في الدستور او التي تحتمل التأويل".
فأولاً: النص الدستوري الذي يقضي بأن مدة مجلس النواب أربع سنوات شمسية هو نص لا غموض فيه ولا يحتمل التأويل. فالمادة 68/1 من الدستور تنص صراحة على ما يلي :"مدة مجلس النواب اربع سنوات شمسية تبدأ من تاريخ اعلان نتائج الانتخاب العام في الجريدة الرسمية وللملك ان يمدد مدة المجلس بإرادة ملكية الى مدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد على سنتين". وحيث أن هذا النص الدستوري واضح في لفظه ومعناه فإنه لا مساغ للاجتهاد في مورده.
وثانياً: أن الجهة المخولة بتفسير ما غمض من نصوص الدستور هي المحكمة الدستورية . وهذا حق حصري لهذه المحكمة لا يمارسه سواها وبالتالي لا يصح القول أن العرف يصلح اساساً لتفسير النصوص الدستورية الغامضة وذلك على الأقل بالنسبة للدستور الاردني. فالمادة 59/2 من الدستور تنص على أن "للمحكمة الدستورية حق تفسير نصوص الدستور اذا طلب اليها ذلك بقرار صادر عن مجلس الوزراء او بقرار يتخذه أحد مجلسي الأمة بالأغلبية ويكون قرارها نافذ المفعول بعد نشره في الجريدة الرسمية ". ولغة هذا النص واضحة من زاوية حصر هذا الحق بالمحكمة الدستورية. وعلى غرار هذه اللغة نجد أن المادة 38 من الدستور تنص على أن "للملك حق العفو الخاص وتخفيض العقوبة ......" . فحق العفو الخاص منح للملك دون غيره ولا مجال للقول أن لغير الملك مثل هذا الحق.
ثالثاً: من المستقر فقهاً وقضاءً أنه لا مجال للقول بتشكل العرف في حال مخالفته للنص الصريح. والقول بغير ذلك يعني إعادة كتابة الدستور من خلال ممارسات متكررة حتى وأن كانت هذه الممارسات وفق نصوص دستورية.
رابعاً: أن ممارسة جلالة الملك لصلاحيته الدستورية في حل مجلس النواب إنما تستند لنص المادة 34/3 من الدستور والتي تقضي بأنه "للملك أن يحل مجلس النواب". وحل المجلس في هذه الحالة هو استثناء على الاصل المتمثل ببقاء المجلس حتى انتهاء مدته الدستورية. وليس من شأن تكرار صدور الارادة الملكية بحل مجلس النواب تشكيل عرف دستوري بالحل قبل انتهاء مدة المجلس حتى وأن تواتر تكرار هذه الممارسة. فتكرار حدوث الاستثناء لا يجعل منه قاعدة عامة ولا يجعل من القاعدة العامة (أي البقاء لأربع سنوات) استثناءً.
ومرة أخرى القول بنشوء هكذا عرف يعني القول بوجود عرف مخالف للنص الدستوري وهذا قول لا يستقيم.
أما عن حل المجلس قبل انتهاء مدته فقد تتعدد الاسباب الداعية لذلك. إذ لا يوجد أي قيد على صلاحية الملك في ممارسة حق حل المجلس قبل انتهاء مدته ولا معقب على كفاية الاسباب التي يرى الملك ضرورة لحل المجلس بتوافرها. فالأمر متروك لصلاحيته الدستورية المطلقة. غير أنه لا يجوز حل مجلس النواب مرتين متتالتين لذات السبب وذلك سنداً للمادة 74/1 من الدستور والتي نصها "اذا حل مجلس النواب لسبب ما، فلا يجوز حل المجلس الجديد للسبب نفسه".
وهنا قد يرى جلالة الملك حل مجلس النواب الحالي قبل انتهاء مدته الدستورية لأغراض الانسجام مع موعد الدورة العادية لمجلس النواب، كما نص عليها الدستور، التي تبدأ في الاول من تشرين الاول وتمتد لستة شهور ما لم يتم ارجاؤها وفق أحكام المادة 78/1 أو تمديدها لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وفق أحكام المادة 78/3 من الدستور .
وكذلك المادة 78/1 التي تنص على أن "يدعو الملك مجلس الامة الى الاجتماع في دورته العادية في اليوم الاول من شهر تشرين الاول من كل سنة واذا كان اليوم المذكور عطلة رسمية ففي اول يوم يليه لا يكون عطلة رسمية، على انه يجوز للملك ان يرجئ بإرادة ملكية تنشر في الجريدة الرسمية اجتماع مجلس الامة لتاريخ يعين في الارادة الملكية، على ان لا تتجاوز مدة الارجاء شهرين".
وبموجب المادة 79 من الدستور "يفتتح الملك الدورة العادية لمجلس الامة بإلقاء خطبة العرش في المجلسين مجتمعين ، وله أن ينيب رئيس الوزراء او احد الوزراء ليقوم بمراسم الافتتاح والقاء خطبة العرش ، ويقدم كل من المجلسين عريضة يضمنها جوابه عنها". وبتطبيق هذه النصوص الدستورية سيتاح لمجلس النواب عقد أربع دورات عادية خلال مدته الدستورية البالغة اربع سنوات شمسية. فإذا ارتأى الملك، وهو صاحب الصلاحية الدستورية، حل المجلس لهذا السبب، فإنه حتى يتاح للهيئة المستقلة للانتخاب أن تشرف على الانتخابات وأن يتم إجراؤها وإعلان نتائجها قبل الموعد الدستوري لعقد الدورة العادية للمجلس القادم الواقعة في الاول من تشرين الاول، ولضرورة مراعاة المدد الواردة في قانون الانتخاب أو مشروع قانون الانتخاب المعروض حالياً على مجلس النواب، فإن الموعد الانسب لحل مجلس النواب، في تقديري، هو في شهر أيار من هذا العام. وحل المجلس يستتبع بالضرورة حل الحكومة وتشكيل حكومة جديدة. وكل ذلك مع مراعاة أن حل المجلس قبل انتهاء مدته، وإن كان يستند الى النصوص الدستورية، إلا أنه يعد استثناء على الاصل المتمثل في استمرار المجلس الحالي حتى انتهاء مدته الدستورية.
* الكاتب محامٍ ووزير اسبق