أنهيت مقالتي أمس، بـ”وتلك قصّة أخرى”، وكنت أتحدّث عن إبداع الشباب الأردنيين، وخصوصاً أولئك الذين برزوا في عالم الإلكترونيات، وانتشروا في أنحاء العالم، وأعتقد أنّ شاباً أردنياً يُطلقون عليه في الخارج لقب العبقري، إسمه: “نور خريس”، شعر بالإحباط ممّا جرى مساء الخميس الماضي، تحت قبة السلطة التشريعية، مجلس الأمّة.
وقصّتي تتأسس على التالي: رئيس الحكومة حاصل على شهادة الدكتوراة في الرياضيات، ذلك العلم الذي يتأسس عليه عالم الالكترونيات، وهو العالم الذي صار أهمّ من ألوان الذهب الصفراء والبيضاء والسوداء، يقف مدافعا عن موازنة حكومته، وبين مقولاته إنّ الأردن سيدخل دنيا البطاقة الذكية قريباً جداً، وفي هذه الأثناء، فالحكومة الالكترونية صارت أمراً واقعاً تُقدّم خدماتها لكلّ الأردنيين، وهم في بيوتهم، وأمام شاشات كومبيوتراتهم…
هذا ما قاله.
وهو كلام ولا أجمل منه، وشعر الكثيرون منّا بالخجل لأنّهم شكّكوا بالكلام والأرقام، فقد كاد الرجل يدمع في “لحظته العاطفية”، وهو يتحدث عن المستقبل العلمي للبلاد والعباد، وسرعان ما عاد دولته إلى مقعده، منتظراً التصويت على الموازنة، ليكتشف المواطن الأردني أنّ “التصويت الالكتروني” مُعطّل، وأنّ الأمر محبوك سلفاً بعلم الحكومة، وأنّ على أعضاء مجلس النواب أن يرفعوا أياديهم، وفي كثير من الأحيان تابعنا نواباً يرفعون اليدين معاً، وذلك ما يمكن أن تعتبره الديمقراطيات من الكبائر.
كان التلفزيون الرسمي ينقل المشهد حيّاً مباشراً، وفي قناعتنا أنّ الكثير من الأردنيين تابعوه، ومنهم صاحبنا نور خريس، فبدأوا يطلقون التعليقات والنكات على الأمر، خصوصاً وأنّه ترافق مع اعتراضات وملاكمات كلام بين النواب، وظننّا أنّ الأمر سيتطوّر إلى ملاكمات بالايدي، وتبادل قوارير المياه البلاستيكية، كالعادة، ولكنّ “حكمة” رئيس المجلس مرّرت المسألة، وكأنّ شيئاً لم يكن.
المشهد السابق ممكن في مسرح سوريالي عبثي، ولكنّني لا أظنّه مقبولاً في بلد كالأردن، يُقدّم وعد المستقبل، ويضع الشباب المُنتج المُبدع على رأس قائمة أولوياته، ويعطي مسؤولوه الحكوميون الكبار الموعظة تلو الأخرى للشباب حول أهميّة العلم، والالكترون، ولكنّهم يبدون على طريق الاوتوستراد الذي رسمه الملك وكأنّهم يغمزون يساراً فيذهبون يميناً، والعكس صحيح.
طالت مقالتي، اليوم، مع أنّها لم تطل كلّ شيء، وأنهيها بتساؤلي: ماذا نقول لأولادنا الذين يضحكون على ما يجري، فيحاولون الحصول على “تأشيرة هجرة”، ماذا نقول لـ”نور خريس”، هذا الذي كان في وضع يسمح له الذهاب إلى “سيليكون فالي الكاليفورني” حيث موطن التكنولوجيا، باعتباره كان في فرنسا يطوّر هناك البرامج الالكترونية، ولكنّه عاد إلى الأردن، ليعمل من قلبه وعقله، ويُبدع من أجل بلده، فيكتشف أنّ العدّ الالكتروني تحت القبّة مُعطّل، مع أنّ الموازنة ستحظى بالموافقة على الشاشة أو بعدّ الأيدي، بالطول أو بالعرض، في رحلة الضحك على الذقون…
السبيل.