أصبح بيننا وبين صاحبه ما يشبه الصداقة بعد أن تعودنا لعدد من السنوات الجلوس في أحد المطاعم ، وكنا نلمس باستمرار مدى اهتمام الرجل بأناقة الشراشف التي تغطي بالكامل الطاولات في صالة الطعام ، وحرصه على تغيير ألوانها وأشكالها بين فترة وأخرى . استمرت بنا الحال كذلك حتى وصلنا مع صاحبنا إلى حد من العلاقة يسمح لنا التنقل بين مرافق المطعم المختلفة فاقترح أحدنا دخول المطبخ ولم نتردد أو نستأذن وفعلنا ذلك في غفلة من صاحب المطعم والذي هو مديره ، لتكون آخر زياراتنا لذلك المطعم لما أصابنا من ذهول من هول ما رأيناه من غياب لأبسط القواعد الصحية وما أُتيح لنا من فرصة للتعرف على شركائنا في الأكل من القطط والفئران وأصدقائهم الطباخين الذين كانوا يتنقلون بحركات أقرب للتزلج منها للمشي على أرضية المطبخ نتيجة ما تراكم عليها من دهون . جوبهنا بغضب عارم من صاحب المطعم وعلا صراخه بالقول أنه ليس من حقكم دخول المطبخ والحد بيننا وبينكم مثل كافة الزبائن هو ذلك الشرشف على الطاولة ( وما إلكو باللي تحته ) .
منذ ذلك الحين أصبت بعقدة أسميتها عقدة الشرشف ، فكلما ذهبت لمكان يغطي أي شيء من محتوياته من طاولات أو كراسي وغيرها بالشراشف ، انتابتني حالة من الفضول لرؤية ما تحت الشرشف لأكتشف في غالب الأحيان أن الشرشف لا يخفي فقط ما تحته من عيوب وعورات بل أن وجهه الآخر مليء أيضا بالبقع والأوساخ .
ازددت كرها بالشراشف ، وظللت ألعن مخترعها وأتساءل إن كان من الممكن وقف تصنيعها محليا ومنع استيرادها وحتى معاقبة مستخدميها ، إلى أن اكتشفت أن الشرشف ليس مجرد قطعة من النسيج يمكننا الخلاص منها بالمنع أو المصادرة ، وإنما هو فكرة وأسلوب عمل لدى بعض من المواطنين من مدراء وموظفين أو أصحاب عمل يُغشون بها عيون المسؤول عند تفقده لدوائرهم أو مؤسساتهم وأن الفكرة ليست مقصورة على صغار الموظفين بل كلما ارتقى الموظف في الدرجة والمكانة حرص على تكبير الشرشف وتزويقه وأصبح خبيرا بمفهوم الشراشفية .
اكتشفت أن الشراشف متعددة الأنواع ومتنوعة الاستعمالات ويمكن أن تضاف لها بعض النكهات وتصلح للدوائر الحكومية كما لمؤسسات المجتمع المدني ، فشرشف النقابات المهنية المزركش بمقاومة التطبيع وتحرير العراق والخوف على الديموقراطية والحريات يستعمل درعا واقيا ضد كل من يحاول البحث في ما يجري داخل تلك النقابات ، وأما شراشف الحكومة فهي بعدد الدوائر في الوزارات والمديريات في المحافظات ، أكتفي بذكر أكبرها وهو شرشف التطوير الإداري الذي تتستر خلفه كل بلاوي إعادة الهيكليات . واكتشفت أيضا أن لمفهوم الشراشفية أصول ومراجع وأدبيات تفوق كل ما وصل إليه مفهوم الشفافية القريب منه لفظا لكنه لا يجاريه في الميزات التي من أهمها سهولة الاستعمال وكفالة النتائج بالمحافظة على المنصب أطول فترة ممكنة .
لكبح جماح الشراشفية أقترح إعلان يوم وطني لنزع الشراشف وأن يقوم السيد شراشفي مخترع الشرشف أو أي من ورثته بالتكفير عن ذنبه بإطلاق جائزة على غرار ما فعل الفريد نوبل مخترع الديناميت لتقدم هديةً في ذلك اليوم لمن يتعهد بالاستمرار في نزع شرشفه.
مصطفى الواكد
mustafawaked@hotmail.com