تماماً، وكما اعتقد أمين معلوف، قبل نحو عشر سنوات، يجري الآن في بلادنا، \"الفرض على الناس الاختيار، بين التأكيد المفرط لهويتهم، أو فقدان كل هوية: أي بين الأصولية والتفكك\".
ولكن، أليس التفكك، فردياً وجماعياً، هو أيضاً هوية أخرى؟. فالهوية، أية هوية، مكونة من مجموعة عناصر. وحين يجري تفكيكها، قسراً بالطبع، تصبح شيئاً آخر، هو بالتأكيد أقل \"تحضراً\" وتقدماً، مما كانت عليه الهوية قبل التفكيك. وكذلك الأصولية، التي تأخذ عنصراً من العناصر المكونة للهوية، وتفرط في التأكيد عليها، كالدين أو المذهب أو العرق. ألا تصنع الأصولية، بهذه الحالة، للفرد كما للجماعة، هوية أخرى؟.
الدكتور جمال حمدان، صاحب كتاب \"شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان\"، لم أتوقف عن الاعجاب بكتابه، إلا قبل سنوات، حين قرأت له مقالان، نشرهما في العام السابع والستين، من القرن العشرين، في دورية شهرية. وهما بعنوان: \"الأردن دولة: دراسة في الجغرافيا السياسية\". لم يكن قد مضى على هزيمة ذلك العام اكثر من شهر إلا قليلاً، حين نشر تلك الدراسة. وهي بحق، ليست دراسة، بقدر ما هي مقالاً سياسياً بامتياز، وتحت تأثير مناخات الهزيمة وتوتراتها، التي اوقعت كل جماعات المنطقة وشعوبها في أتون لهيبها. الأمر الذي دفعني إلى إعادة قراءة \"عبقرية مكان\" حمدان، على نحو آخر. وبالفعل، لم أجد فيه، إلا تأكيداً عميقاً على الخوف و\"التوجس\". فالهوية، كـ\"صديق مزيّف\"، بتعبير معلوف، وقلق، تستدعي بذاتها، كل الأشكال المتطرفة والمفرطة، للتأكيد عليها.
كثيرة هي، اليوم، الطرق الخبيثة، التي تُلقى في وجوهنا، لتحديد هويتنا. وبالاستفزاز، وشحن مناخات العيش اليومي، فإن الناس لا يتفحصون هوياتهم، عند سؤالهم عنها. فالسؤال، لا يأتي على هيئة كلام، بل على هيئة احتكاك وعيش وتزاحم، وامتهان للكرامة ايضاً. وحينها لا يكون هناك وقت، لتفحص ضمائرنا أو \"وجداناتنا\" حين نقول:\"مَنْ نحن؟\". فالآخر، هو من يحدد لك كيف تجيب، حين لا تجد وقتاً للعودة إلى ضميرك ووجدانك. ودونك \"شكل\" ردود الفعل، على \"الرسوم\" المسيئة، للنبي \"العربي\"الكريم..(!!).
بديهي، ان الهوية لا تعطى مرة واحدة، وإلى الأبد، فهي \"تتحول وتتشكل\" على طول الوجود، للفرد كما للجماعة. فالإنسان، لا يكون ذاته دفعة واحدة، والجماعة كذلك أيضاً، ولا يعي الفرد ولا الجماعة ذاتيهما، أي هويتيهما، دفعة واحدة، بل يكتسبانها، بالتدريج، خطوة خطوة.
ومن دون خلط، أو تسارع، يقود إلى دوار. ومن دون الشعور، بأنك مرغم على الاختيار بين التنكر للذات، وبين \"نفي الآخر\". هل يمكن التساؤل: أين يتوقف التأكيد المشروع للهوية؟ وكيف يمكن تعريف \"الهوية\" كخلاص، لا كقيد؟ بمعنى، أن تكون حراً في عيش مكونات شخصيتك، وانتمائك، لغة وذوقاً ومعتقدات ونمط عيش..(!!).
FAFIEH@YAHOO.COM