الطابور الخامس والجورنيكا وسمك القرش
د. ماهر عربيات
18-01-2016 11:38 AM
خلال النصف الأول من القرن الماضي ، وتحديدا عام 1937 رسم الفنان الاسباني بيكاسو لوحة الجورنيكا ، التي استوحاها من الدمار الهائل الذي خلفه القصف الجوي للطيران الألماني في هجومه على قرية جورنيكا الاسبانية قبيل الحرب العالمية الثانية ، وراح ضحيته ما يزيد على ألف وستمائة قتيل من أبناء القرية الجميلة ، وأصبحت تلك اللوحة بمثابة رمزا عالميا تجسد رعب وويلات الحروب ، وطافت انحاء عديدة من دول العالم لتخلد المأساة التي احدثها الهجوم الألماني على القرية . وأثناء الحرب العالمية الثانية، وبينما كانت القوات الألمانية تجتهد للحد من انتشار اللوحة ومنع تداولها ، دخل بعض الضباط الى منزل بيكاسو ووجدوا اللوحة في منزله، فسأله أحد الضباط الألمان : أنت الذي رسمت الجورنيكا ؟ ... فأجابهم بل أنتم !
والآن وبعد الاحداث الدراماتيكية التي شهدتها بعض الدول العربية من خلال ما يسمى بثورات الربيع العربي ، وتحولها الى ميادين وساحات للمعارك الطاحنة والاقتتال بين الشعوب والجماعات الارهابية لتنفيذ مخطط ممنهج يهدف الى تفكيك وتركيب الدول العربية من جديد ، وهدمها فكريا واجتماعيا من خلال تغييب المرأة وتحقير دورها ، وخلخلة النظام الأسري وخلق الصراع الديني داخل العائلة الواحدة حتى يبلغ الامر تكفير الابن لوالديه ، فقد يأتي اليوم الذي نسأل فيه الامريكان : أنتم من أشعل الجحيم العربي ؟ ... وسيجيب الامريكان في ابتسامة أشبه ما تكون بابتسامة سمك القرش ... بل أنتم !
الذين أشعلوا الجحيم العربي هم قوى التدمير الذاتي من جهابذة الاعلام والسياسة العرب الراقصين على الايقاع الامريكي ممن يطلون علينا يوميا عبر الفضائيات بمواقفهم وآرائهم المسمومة الذين وجدوا في ذلك خير سبيل لدفع العرب نحو ممارسة التدمير الذاتي لتجنيب الامريكان تكاليف هذا التدمير .
من أشعل الجحيم العربي هم قوى التدمير الذاتي من قنوات وفضائيات التدمير المنهجي التي غزت كل بيت عربي لتضليل الشعوب ، وصياغة رأي عام يستند الى الوعي المزيف من خلال شيطنة الخبر والصورة تنفيذا لسياسة افشال البلاد العربية وتفتيتها وتدميرها ذاتيا عبر اشعال نيران الصراع الطائفي وتغذيته وحرصها على ألا ينطفيء .
من أشعل الجحيم العربي هم قوى التدمير الذاتي من المثقفين العرب بتخاذلهم ومراوغتهم وحضورهم المزيف البعيد عن هموم شعوبهم ، وانسلاخهم عن قضايا أمتهم ، وبدلا من أن يكونوا سراجا منيرا للأخرين ، برحوا أماكنهم للعابثين والأفاقين والمستهترين وللطابور الخامس سرطان الشعوب و بذور تدميرها الذاتي.
لقد اشتركنا جميعا في اشعال جحيمنا العربي ، بغفلتنا وجهلنا وحماقتنا ، ولاينبغي لنا أن نسأل من أشعل جحيمنا هذا ، لأننا أحوج مانكون الى اعادة استيعاب هذا اللغط وهذا الافك الذي كبت فيه شعوب الربيع العربي بقيادة مجموعة من النخب العربية العميلة، وشرذمة من الشباب العربي ممن تلقوا التدريب في أكاديمية التغيير ومنظمات الاحتجاج السلمي ، للاستقواء على أوطانهم ، وتدمير الهوية الوطنية والقيم الأخلاقية والانسانية ، وهدم مؤسسات الدولة والتعليم واسقاط دور المعلم والانتقاص من مكانته في المجتمع ،
لقد استوطن الارهاب العالمي في منطقتنا العربية ، وساد العنف السياسي مختلف أرجائها ، وأصبح وكلاء هدم الأوطان وسماسرة المال الفاسد يصولون ويجولون بلا رقيب ، وشاع الاعوجاج والانحراف والهراء ، وانتشرت الجهالة وتفشت البذاءة حتى ملأت ألأسماع .
قضيتنا تكمن في عقولنا وجهلنا ونمط تفكيرنا الذي لايقبل الآخرين ، قضيتنا في تعصبنا الديني والسياسي ، وتزمتنا القبلي والجهوي . فكيف اندلع وانتشر هذا السعير العربي ؟ ومن هم أصحاب هذا التدبير الخفي المحكم ؟ ولمصلحة من انتشار وامتداد لهيب الجحيم العربي ؟ وهل من مبرر لهذه الذهنية التدميرية ؟.