عودنا مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية على استضافة شخصيات مرموقة سواء على المستوى الاماراتي او الخليجي او العربي او الدولي , علاوة على اصدارات من مؤلفات وكتب ودراسات وابحاث استراتيجية مسبوقة تناولت القضايا الدولية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية , حتى اصبح هذا المركز من اهم المراكز الاستراتيجية ليس فقد في منطقة الشرق الاوسط ولكن على الساحة الدولية.
وقد لاحظنا الدعم الكبير والرعاية والاهتمام البالع الذي يلقاه المركز من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آلِ نهيان ولي عهد ابوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة . ومناسبات التكريم لسعادة المدير العام الدكتور جمال سند السويدي الحائز على عشرات الاوسمة وشهادات التقدير ودرجات الدكتوراه الفخرية تقديرا لاسهاماته الفكرية والعلمية والادبية , وقد شهد العالم اشهار اخر اصدارين حديثين للدكتور جمال السويدي باللغات العربية والانكليزية والفرنسية وهما: آفاق العصر الأمريكي - السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد , والسراب .
و قد جاءت الدعوة الكريمة التي وجهها سعادة الدكتور جمال السويدي مدير عام مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية الى السيد نيكولا ساركوزي رئيس الجمهورية الفرنسية السابق في ظرف تمر به المنطقة بمخاض سياسي وازمات امنية دقيقة وحساسة , وضمن برنامج المركز المتميز في دعوة الشخصيات العالمية والتي تتولى مسؤليات هامة في دولها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفكريا , وكان لها تأثير مباشر على العلاقات الدولية وخاصة في منطقة الشرق الاوسط ومنطقة الخليج العربي على وجه الخصوص . حيث حملت المحاضرة عنوان:" العالم اليوم حوار مع نيكولا ساركوزي .
و في وقفة تأمل وتحليل لمحاضرة السيد ساركوزي التي القيت في "قاعة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان" بمقر المركز في أبوظبي يوم الاربعاء الموافق 14/1/2016 , نلمس انها جاءت تتويجاً لزيارته الاولى لدولة الامارات العربية المتحدة عام 2008 عندما كان السيد ساركوزي رئيسا لفرنسا ووضع حجر الاساس لتشييد متحف اللوفر وجامعة السربون كأول مبادرة فرنسية في هذا المجال خارج فرنسا , وهذا يعود لعلاقات الصداقة الطيبة بين دولة الامارات العربية المتحدة والجمهورية الفرنسية حيث جاءت الزيارة الاولى للرئيس ساركوزي في حينه ردا على الزيارة التي قام بها سموالشيخ خليفة بن زايد ال نهيان الى فرنسا عام 2007.
هذا وقد ركز السيد ساركوزي في محاضرته على النقاط التالية:
الشك الكبير لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ومديره العام الدكتور جمال سند السويدي على دعوته لإلقاء هذه المحاضرة في هذا التوقيت الهام , مشيدا بالدور الذي يلعبه المركز بصفته مؤسسة علمية وبحثية ذات دور رائد إقليميا وعالميا.
أثبتت دولة الإمارات العربية المتحدة في ظل قيادتها الحكيمة ورؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أنها بلد يمكن إقامة شراكة بناءة معها .
الامارات العربية المتحدة قادرة على تحقيق ما عجزت دول أخرى عن تحقيقه وهو التوفيق بين الهوية والحداثة والوفاء للإسلام والانفتاح على ثقافة العالم . وهذا يمثل رسالة أمل من الإمارات إلى العالم العربي بل إلى العالم أجمع.
سيكون متحف اللوفر بأبوظبي من أعظم المتاحف في العالم, وهذا الصرح الثقافي "يعكس الرؤية السديدة لولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة سمو الشيخ محمد بن زايد، في جعل الإمارات أرض التسامح وملتقى الثقافات.
استطاعت الإمارات التوفيق بين الأصالة والمعاصرة، حيث تتمسك الدولة بتعاليم الإسلام السمحة، وتواصل الانفتاح على العالم، وهي بذلك ترسل رسالة أمل لدول المنطقة .
أن "القاعدة العسكرية الفرنسية " في الإمارات دليل على قوة الصداقة الفرنسية الإماراتية، وتعكس علاقات الثقة المستدامة والتعاون الاستراتيجي الشامل بين البلدين.
يواجه الشرق الأسط تحديات كبيرة، أهمها كيفية الحفاظ على التنوع الديني والمذهبي، في ظل الصراع الطائفي بين السنة والشيع.
تشهد المنطقة تحولات حاسمة وعميقة ستكون لها تداعيات على الجميع ويتمثل التحدي الأساسي في المحافظة على تنوع الشرق الأوسط . أن الرغبة في نشر الديمقراطية في كل مكان أمر مهم لكن التنوع أهم , فالشرق قوي بتنوعه , كما قال الجنرال شارل ديجول " أذهب إلى الشرق الأوسط المعقد بفكرة بسيطة وهي ثروة التنوع."
العالم العربي أمام تحديين: أولهما المواجهة بين السنة والشيعة وهما مصدر قلق بالنسبة لنا والتحدي الآخر الجماعات الإرهابية والمتطرفة.
إن أغلبية المسلمين يعيشون بإيمانهم في سلام مقابل أقلية تقوم بتشويه الإسلام وإن الناس يعانون من الإرهاب الذي تمارسه تلك الفئة المتطرفة .
تشكل إيران مصدر قلق للمنطقة والعالم وإن إيران مسلحة نوويا أمر غير مقبول وغير قابل للنقاش , فامتلاك ايران السلاح النووي قد يدفع دولا أخرى مثل تركيا والمملكة العربية السعودية إلى امتلاكه وسيؤدي هذا إلى انتشار الأسلحة النووية في المنطقة , وبالتالي كيف سيكون حال المنطقة إن حدث هذا.
الاتفاق النووي مع إيران الذي تم التوصل إليه مع الولايات المتحدة ترك الكثير من المساحات الرمادية وإن مصداقيته تعتمد على مستوى الرقابة ومدى التزام الإيرانيين ,ومطلوب بأن يثبتوا حسن النية من خلال التطبيق الكامل للاتفاق .
لا بد من إيجاد حل في أسرع وقت للازمة السورية وإن تعقيد الأزمة السورية يتمثل في أنها ملتقى حربين: الأولى بين السنة والشيعة والثانية تتمثل في المواجهة مع القوى الظلامية .
ضرورة عدم تكرار الخطأ الذي تم في العراق عندما جرى اجتثاث حزب "البعث" بعد الاطاحة بصدام حسين , يجب أن يتم التعامل مع الأفراد الذين عملوا في صلب النظام السوري .
التواصل مع روسيا من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة السورية .
ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية , ولا بد أن تكلل مباحثات السلام بالنجاح لأن المدنيين عانوا كثيرا واستمرار الفوضى في اليمن تستفيد منه الجماعات الإرهابية كتنظيمي "داعش" و"القاعدة".
ضرورة التوحد في محاربة الإرهابيين و"الجماعات الارهابية " الذين أعلنوا الحرب على المجتمعات الإسلامية وعلى الغرب على حد سواء.
علينا أن ننتصر جميعا في الحرب على الجماعات الارهابية ولا مجال للأيدي المرتعشة لأن الأمر على المحك ولا بد من خوض الحرب حتى النهاية ولا يمكن الفوز في هذه الحرب من دون مشاركة المسلمين أنفسهم.
أشاد بالائتلاف الإسلامي الذي أعلنته المملكة العربية السعودية ويضم 34 بلدا بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة .وضرورة الترجمة الملموسة لهذا التحالف من أجل استئصال " داعش" و" الجماعات الارهابية" .
لا بد من وجود قوات برية على الأرض تواجه المتطرفين لكن يجب أن تتكون من دول عربية بدعم من المجتمع الدولي.
عبر عن قلقه مما يحصل في تونس , وقال إنني كفرنسي أعتبر استقرار تونس وسوريا وليبيا من أولوياتنا , فانهيار هذه الدول المطلة على جنوب البحر الأبيض المتوسط ستكون له عواقب وخيمة على شماله , ففشل الجنوب يلقي بظلاله على الشمال .
ضرورة وقوف الشرق والغرب ضد المتطرفين والعمل معا من أجل تحقيق الاستقرار وإيجاد أرضية مشتركة تقوم على تعدد الثقافات والتعايش السلمي ونشر التسامح بين مختلف الأطياف والمكونات.
من خلال ما تقدم يلاحظ ان السيد ساركوزي قد قدم عرضاً تحليلياً شاملاً للشؤون العالمية وتحدياتها وكيفية مواجهة هذه التحديات، مع التركيز على القضايا الأساسية في منطقة الخليج والشرق الأوسط وخصوصاً قضايا الإرهاب. وفي نهاية كلمته اجاب السيد ساركوزي على عدد من الاسئلة التي تمحورت حول: العلاقات الفرنسية الامارتية , والسُّبل التي تسمح للمفكرين والمثقفين بمواجهة الحركات المتطرفة , والتطورات الأخيرة في سوق النفط، وتداعيات أسعار النفط على الدول المنتجة والمستهلكة , والعلاقة بين دول المنطقة، والرسالة التي يمكن أن يوجهها إلى إيران. وقد اجاب بدوره على مجمل الاسئلة بالنقاط التالية:
الشراكة الاستراتيجية كاملة بين فرنسا ودولة الإمارات العربية المتحدة . إننا نعمل يداً بيد في كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وإذا كان أمن الامارات معرضاً للخطر فنحن مع الامارات وندعم امنها . والشراكة الاستراتيجية تعني الشراكة بين جيل كامل من البلدين ينظران معاً إلى المستقبل. وأودّ هنا أن أشير إلى صداقتي القديمة مع ولي عهد أبوظبي، وسموه شخصية تتمتع برؤية وشجاعة ساعدت على تقوية العلاقات بين فرنسا ودولة الإمارات العربية المتحدة.
بخصوص الحركات المتطرفة: الوضع خطير إلى درجة تفوق التصور. لا بد من أن تتم مواجهة هذه الخطر داخليا وخارجياً. لا يمكن أن تسمح فرنسا بوجود أئمة مساجد يتحدثون ضد الدولة الفرنسية، ومساجد فيها خطابات تدعو إلى العنف وتحث على الكراهية والتطرف. على مدى سنوات كنا نعتقد أن ما يحدث في الدول العربية لا يمكن أن يصل إلينا، وهذا كان خطأ في التفكير، ولا بد من القضاء على المجرمين والبربريين، والوقت الآن مناسب للحرب عليهم.
حول التطورات الأخيرة في سوق النفط، وتداعيات أسعار النفط على الدول المنتجة والمستهلكة: هناك مضاربون مستفيدون بقوة من تقلب أسعار المواد الأولية، ليس في مجال النفط فقط، بل كذلك في مجال البنّ والكاكاو والقمح وغيرها، ولا بد من وضع أسس نظام جديد لسوق المواد الأولية يضم كلاً من المنتجين والمستهلكين؛ لضمان عدم تكرار المضاربات التي أثرت في الأسواق العالمية في عام 2008.
حول العلاقة بين دول المنطقة، والرسالة التي يمكن أن يوجهها إلى إيران: هذه مسألة حساسة , إيران دولة ذات حضارة عريقة واستثنائية، وقادة إيران لديهم ذكاء ومهارات دبلوماسية عالية، وإيران جارة والسؤال لقادة إيران هو: هل تعتقدون أنه من المفيد تصدير ثورتكم إلى العالم؟ أقول إذا أردتم المساهمة ففي السلام، وإلا ماذا سوف تجلبه الحرب سوى الفقر والدمار. إيران بلد كبير وليس بحاجة إلى تمويل الإرهاب أو الميليشيات، إيران التي نحترمها هي التي تحترم الآخرين، وتسهم في تحقيق السلام .
هذا وقد غصت قاعة الشيخ زايد بالحضور وكان على رأس الحضور معالي الشيخ فيصل بن صقر القاسمي، رئيس مجلس إدارة شركة الخليج للصناعات الدوائية , وسعادة الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، وعدد من اصحاب السعادة سفراء الدول العربية والأجنبية المعتمَدين لدى دولة الامارات العربية المتحدة ، وكبار ضباط القوات المسلحة، ونخبة كبيرة من الدبلوماسيين والمفكرين والأكاديميين والباحثين.
و هنا لا بد من الاشادة بالدور الكبير لمركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ممثلاُ بمديره العام سعادة الدكتور جمال سند السويدي , لما يقوم به من جهد مسبوق في دعوة شخصيات مرموقة ونشر الفكر النير والحضاري وصناعة المعرفة ومتابعة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية واجراء الدراسات والبحوث واعداد التقارير والدوريات والنشرات وعقد المؤتمرات والندوات والمحاضرات ورفع التقارير والتوصيات لاصحاب القرار بكل ما يتعلق بالقضايا الوطنية والقومية والاقليمية والدولية .و حقيقة فقد اصبح هذا المركز مجال فخر واعتزاز على المستوى الوطني والخليجي والعربي والدولي , حيث نأمل ان ترقى كافة مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية في الدول العربية الى هذا المستوى من الرقي في المحتوى والشكل والمضمون .