لا ندري كيف يستقيم الحديث عن وجود خيارات لدينا في التعاطي مع التحديات الداخلية والخارجية وبين حقيقة اننا ندفع ونراهن ونستعد و"نقني " لبديل واحد خارجي واخر وحيد على الصعيد الداخلي؟! ونقول بكل سذاجة ان هناك استراتيجة وسياسة وسياسيين وفريق اقتصادي يعمل لتحقيق الافضل للاردنيين؟!وعند سؤالهم عن (الخطة ب) على الصعيدين الداخلي والخارجي لا نسمع اجابة بل سفسطة كلامية فارغة بلا مضمون ..للاسف الشديد ما عدنا مقتنعين بقدرة الرسميين وصناع القرار في الحكومة على العمل والمناورة ل " تقليل الخسائر وتعظيم المكاسب" سواء في اطار علاقاتنا الدولية او على مستوى التصدي للتحديات الاقتصادية الداخلية...
وتشكيكنا هذا ليس وليد الساعة وانما حصيلة قراءة متأنية تراكمية لمواقف وقرارات كرست الازمات وضاعفت من اثارها السلبية على المواطنين .
وفي هذا السياق لا ضير من التذكير ببعض القواعد الهامة والابجديات عندما نتحدث عن عملية صناعة القرار ... فاذا لم تكن لدينا خيارات نلجأ لها وقت الحاجة لحماية كياننا السياسي واستقلالية قرارنا السياسي والاقتصادي فاننا امام حالة إكراه "coercion " وليس اتخاذ قرار "Decision Taking" " ما يتركنا اسرى لبديل واحد وسيناريو يتيم وبذلك لا نقول اننا نتخذ قرارا -بعد استعراض البدائل والخيارات ودراستها - وانما يقال اننا مكرهون على قرار بعينه وهذا يحدث في حالة واحدة فقط عندما يكون ساستنا محدودي الافق والتجربة وبلا معرفة بامكانات الدولة وقدراتها واوراق اللعب الضاغطة الموجودة لديها...
والا لماذا يستمر رهاننا على عملية السلام بعد 15 عاما كشفت بوضوح لا يحتمل قولان ان اسرائيل لا تريد سلاما وانها لن تسمح بقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة على التراب الفلسطيني ولن تسمح كذلك بعودة اللاجئين وتعويضهم ،واذا ما اردنا ان ندلل على ذلك فما بناء الجدار العنصري العازل الا محاولة للالتفاف على المفاوضات الجارية وفرض واقع جديد على الارض يجعل من الوصول الى صيغة اتفاق ضربا من الوهم واللاواقعية السياسية.واذا ما ذهبنا في القراءة الى ابعد من ذلك فما الحصار الاقتصادي والامني والحواجز في كل شارع وزقاق وعملية التوسع في بناء المستوطنات والحفريات المستمرة في محيط المسجد الاقصى والاستفزاز اليومي لمشاعر الفلسطينين ومحاولات تعميق الشرخ وإذكاء الفتنة بين قواهم السياسية الا محاولة لدفعهم للهجرة والنزوح ،وهو ما يحدث يوميا فعملية "الترانسفير" الى الدول المجاورة وخاصة الاردن مستمرة بلا توقف ...
مسؤول اردني رفيع المستوى تحدث في جلسة خاصة قبل ايام عن هذا الموضوع بالتحديد فقال بكل ثقة "ليس لمصلحتنا ان نعلن وفاة العملية السلمية ولا بد ان نستمر في مطالبة الامريكان بالالتزام بوعودهم للفلسطينيين"وعند سؤاله عن البديل في حال فشلنا في ذلك تلعثم المسؤول وعاد للحديث عن التحديات واختلال توازن القوى في المنطقة ...
هذا مثال واحد على عدم وجود خيارات وبدائل في سياساتنا الخارجية ، اما على الصعيد الداخلي فالمشكلة اكبر واكثر وضوحا... فهناك من يتحدث عن عمليات بيع اصول الدولة الثابتة على انها البديل الوحيد المتاح للخروج من ازمتنا الاقتصادية وسداد الدين الخارجي وينسون ان الحديث عن سيناريو واحد يعد دليلا قاطعا على فشلهم وعجزهم وقلة خبرتهم ومحدودية معرفتهم وخاصة ونحن نتعرض الى عقوبات اقتصادية يمارسها علينا الاشقاء والحلفاء على نحو غير مسبوق وغير مفهوم وكأننا نُدفع بالقوة الى هذا الخيار لغاية في نفس يعقوب !!!
المثير للاستغراب والحيرة معا ان الحكومة لا تقدم للناس خططا"متعوبٌ عليها" لتعزز الثقة بقدرتها على الاضطلاع بمسؤولياتها وخاصة تلك المتعلقة بالازمة الاقتصادية المتفاقمة.ويأتي ذلك في وقت تنتشر فيه التسريبات وتتداول فيه وسائل الاعلام وثائق تؤكد استمرارها في عملية البيع وكأن موقف الشارع الرافض من هذه المسالة المصيرية ليس ذا بال وكأننا غير معنيين بما يجري وكأن البيع قدر لا فكاك منه وخيار اوحد وحل سحري لاخراجنا مما نحن فيه ...
هذه ديمواغوجيا سياسية يجب ان تتوقف فورا ويجب ان يتوقف بعض الكتاب عن انتهاجها و تحصين سندتها ومنظريها ورموزها ضد النقد ، لاننا بتنا نعرف اهدافهم وادواتهم جيدا فلقد باتوا مكشوفين للجميع و"كل مكشوف مردوع"...