عواصف « سياسية » محمّلة بالأتربة والغبار .. !!حسين الرواشدة
17-01-2016 02:03 AM
يبدو أن الصالونات السياسية انتعشت في بلادنا في الآونة الأخيرة. كان يمكن بالطبع ان نفهم هذا الانتعاش في سياق عودة “العافية” لحياتنا السياسية التي تعطلت، لكن المؤسف ان ما تشهده بعض هذه الصالونات من حراكات يبعث على الخجل، ليس فقط فيما يتعلق بطوابق النميمة السياسية التي اصبحت جزءا من “مقبّلات” السهرة، وانما بالنقاشات العامة حول القضايا التي تطرح، وهي بالمناسبة ليست نقاشات بقدر ما هي مناكفات وتصفية حسابات، واسوأ ما فيها انها تعبر عن “الانا” المستغرقة بالثأر والوهم والخوف والانانية ، كما انها تكشف عن “جدب” طبقة النخبة وعن ازمتها في التعامل مع المجتمع اولا، ومع اصول وآداب الخصومة السياسية عند الاختلاف، ومع النظام السياسي الذي كانت جزءا منه، فتنكرت له حين اخرجت منه وانتزعت منها مواقعها وامتيازاتها التي حظيت بها على مدى عقود. افهم بالطبع ان يكون للشخصيات العامة دور في الحياة السياسية بعد ان يترجلوا من مواقعهم، وافهم ايضا ان يأتي هذا الدور في اطار المعارضة والنقد السياسي للحكومة والمؤسسات الاخرى، وافهم ثالثا ان يكون لدى هذه الشخصيات “حنين” للعودة الى المناصب والكراسي، او رغبة في لفت الانتباه وتقديم العروض البديلة، لكن ما لاافهمه - ولا يمكن لاحد ان يقبله ايضا - هو ان يظهر هؤلاء بمظهر “المخلّص” للبلد من كل الكوارث، والمطهر للمجتمع من كل الاخطار التي ارتكبها الاخرون (!)، ثم ان يحاولوا اقناع الجمهور بانهم مجرد ضحايا دفعوا ضريبة الدفاع عن الوطن، وضحوا من اجله حتى بمواقعهم، ولو انهم اعترفوا هنا انهم كانوا جزءا من المشكلة، او انهم يتحملون بعض الخطأ لقلنا : شكرا لكم، لكنهم للاسف يصرون على انهم ابرياء فيما الآخرون - كلهم - شياطين واشرار، يتربصون بالبلد ولم يقدموا له اي شيء. في “بازار” اللغط السياسي الذي اصبح مفتوحا امام الباحثين عن مقعد في “ قمرة “ القرار، او عن الاضواء من جديد، او امام الراغبين ببيع بضائع “وطنية” مغشوشة بهدف استقطاب جمهور المتفرجين البسطاء، يمكن ان تسمع وترى ما لا يخطر على بالك من اعلانات وتنزيلات : بعضهم يحذّر من “غرق السفينة” وبعضهم ينذر بتحول العتب الى غضب ، وآخرون يعتقدون ان خروجهم من الواقع مؤامرة دبّرت بليل، وان البلد من دونهم سيكون على حافة الانهيار. لا تسأل بالطبع عن صالونات المحاصصة السياسية او الاخرى التي تريد علمنة الدولة من بوابة تحرير المناهج الدراسية من الدين او غيرها من لوبيات “البزنس”، فهذه لها حديث آخر. كنت سأصفق لكل هؤلاء الذين اتحفونا بتحذيراتهم ونصائحهم الثمينة، لو كان لدي ادنى ثقة بحرصهم على البلد او كان لديهم ما يلزم من شجاعة لتقديم هذه النصائح في الوقت الذي كانوا فيه شركاء في القرار، او في المكان الذي يفترض ان يشهروا فيه مواقفهم ، لكن ما حدث شيء آخر لا علاقة له بالخوف على البلد، ولا بالتعبير عن هموم الناس وقضاياهم، ولا بالعمل السياسي النظيف الذي يستلزم المصداقية والصراحة والانصاف والتضحية، ولا حتى بصحوة الضمير التي كان يمكن ان تفهم في سياق الاعتراف بالخطأ وادراك الحكمة ولو جاءت متأخرة، وانما تتعلق بحسابات “البيدر” حيث التزاحم على اقتسام الغنائم ، وحيث المناكفة من اجل التشوية والتجريح، وحيث التصفيات السياسية التي تنعدم فيها “الروح الرياضية” ، وحيث الرغبة في تطهير النفس وتبرئتها امام الناس، والتكفير عن اخطائها ، ليس بكفارات الاعتراف والندم والعمل وانما بمزيد من الخداع. صحيح ان بلدنا يمر الآن في “ازمة” ويحتاج لمن ينصح ويحذّر ويرشد الى الصواب، لكن الصحيح ايضا هو ان بعض هؤلاء الذين ترتفع اصواتهم كانوا جزءا من المشكلة، ولا يمكن ان يكونوا جزءا من الحل، وهم مجرد “شامتين” لا ناصحين، ولا يحظون بثقة الناس لانهم يعرفون تماما سيرتهم السياسية، وبالتالي فان كل ما يصدر منهم ، حتى وان تحول الى “اخبار عاجلة، لا يستحق الانتباه، لانه مجرد اصوات وعواصف تحوم في اجواء ملبدة بالشك والريبة ، ومزدحمة بمعاني الشماتة والرغبة بالانتقام ، ومحملة “بأتربة” البحث عن المصالح الشخصية والبطولات الفارغة ، وشراء ما يلزم من شعبية ترقص على اشباح المحبطين والجائعين والخائفين على بلدهم حقا من العاديات...
|
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة