كفى استهزاء بثقافتنا كعرب
فراس الور
16-01-2016 03:06 PM
مع كل اسف هكذا تتعامل مع المنطقة العربية بعض من الدول التي تسمى نفسها دول العالم الأول أو الدول المتقدمة حيال الإنسانية في منطقة الشرق الأوسط، فمع كل أسف تُبْدِعْ بِسَلْب الإنسانية من أحيائنا السكنية لتعطينا عوض عنها البندقية تحت شعار الدفاع عن النفس، تصمم في البلدان التي ترى بها خصوماً سياسية سيناريوهات لأشرس الحروب التي تحصد بها حياة البشر و الطفولة و تدمر بها حتى آمالنا بغد مشرق و تعطينا عوض عنها بسمة تخدع بها من يهاجر دياره بأنها استقبلته في ديارها بدافع الإنسانية، تسلب البسمة من شفاه أطفالنا و تعطيهم بدالها المدفع و البندقية ليتعلموا الإنتقام بدل لغة التسامح و المحبة...
استوقني في برنامج المسامح كريم مصالحة رعاها الإعلامي الناجح جورج قرداحي بين اثنين من الاقرباء فرقت بينهما بحور من الدماء تحت شعار الثأر المُهْلِكْ، فبعد أن بقيا لسنين عديدة في ترحال مستمر خوفا من لحظة يطغى بها الغضب على منطق المسامحة و الصلح جمعهم الإعلامي جورج و استطاع بفضل هدوء اعصابه و حنكته الإعلامية و خبرته أن يقنعهما بالصلح... فبلحظة انهار بها الكره من قلوبهما وحلت المسامحة التي هي أكرم على البشرية من الثأر قالا لبعض "سامحتك" لتنتهي بين عشيرتين مصريتين سنون طويلة من الثأر المهلك والانتقام المرير.
مما لا شك به أن دواء الفتن هو المسامحة والإرادة بتقديم التنازلات، فحتى بين فرقاء سياسيين تغلي بينهم الخصومات السياسية لا غنى عن هذه العوامل للوصول الى الحلول المرجوة التي تتضمن مفاهيم ارقى نجتب بها الإنهيار لبلداننا و النزاعات التي تؤدي الى التهلكة و الإنهيار في الموقف و الإنقسامات التي تضعفنا وتجعل من أوطاننا أنظمة هشة و ضعيفة، فهنالك مفاهيم أسمى نسعى اليها مثل الحفاظ على وحدة اوطاننا والوفاق الوطني التي تكون بمثابة جسور صلبة نستطيع العبور اليها نحو حلول تبني لا تهدم، فهنالك فرق بين معارضة دستورية و عدو يقيم معي في بلدي، فالمعارضة الدستورية هي معارضة تسعى لكسب مقاعد لها في برلمان الدولة و كسب مقاعد وزارية بهدف تَسْيِسْ أنظمة الدولة بحسب رؤيتها السياسية، و هذا مفهوم أستطيع تقبله حيث هذا هو السائد بالعديد من الأنظة الديمقراطية بالغرب و حول العالم، و لعل ما يحدث في أمريكا بين الحزبين الجمهوري و الديمقراطي خير دليل على نجاح هذا السجال السياسي التقليدي بين تلك الكتل السياسية، فهذه الأحزاب تتعارض ما بعدها البعض بالرؤيا السياسية التي تدير بها المؤسسات الوطنية في بلادها...
ولكن هنالك نوع من المعارضة لعلها أخطر بكثير من هذه المعارضة السياسية الدستورية، فهي معارضة تسعى للسيطرة على الحكم و السيادة في البلد.. لتتخطى بذلك مفاهيم العمل السياسي و تصبح عدوة للدولة و للمجتمع تسعى جاهدة للسيطرة بالقوة الجبرية على البلد و مقدراته و مؤسساته عوض عن السيطرة على مؤسسات البلد بالصورة التقليدية السياسية، و هذا الذي يحصل مع الأحزاب السياسية في لبنان، فهو صراع العمالقة على السيادة و ليس على عمل دستوري، فسوريا بنظامها الحاكم الغير مَرِنْ دفعت ثمن رؤيا سياسية احادية الجانب مع كل اسف و بات بنظامه الغير ديمقراطي لقمة سهلة لمعارضة خلقها عدوه خصيصا للنيل منه، و الفتن بين السنة و الشيعة التي تستعر في اليمن و سعودية و ايران تسممها أجواء قلة المسامحة التي سادة بين هذه المدارس المذهبية في الديانة الإسلامية، فبعد أن تسللت الى شارعنا العربي أحزاب مسلحة لِتَدُسً في لقمتنا الهنية سُمْ الفتن رأينا على الفضائيات الخليجية دعايات مؤخرا تنادي بالمسامحة بين المذاهب الإسلامية...فأقول لهم أحسنتم و لكن تأخرتم كثيرا، فلا شيئ يعلو عن قِيَمْ المسامحة و الغفران الذي يطعن الفتن و الحروب بحربة لئيمة لينهى سيادة الخصام في فؤاد البشر...فالشيطان يغتاظ من القلوب التي تسامح لأنه لا يجد مستنقعه اللئيم الذي ينشر به شر الحروب و الضغينة و الخصام في عالمنا البشري...
ها نحن ندفع أثماناً باهظة لعدم رغبتنا بتقديم التنازلات لنهنأ بالعَيْش الكريم مع بعضنا كعرب...فالدولة الديمقراطية تبني مؤسساتها على استيعاب رأي الآخر، فأين نحن من سلاسة الأنظمة الديمقراطية في الغرب؟ لماذا لا نوسع صدورنا للعمل الديمقراطي السائد في الغرب حيث جلب هذا العمل لأمريكا و أوروبا حياة سياسية متزنة و طبيعية و لم يجلب لنا تعصبنا إلا الحروب و الدمار لأوطاننا؟ مقارنة لا أفهما إطلاقا...التجربة الناجحة أمامنا و التقدم بين ايدينا و لا نسمع بالدول العربية الى لغة القتل و التعنيف و الذبح و عدم الجدية في بناء دول تعتمد على حياة سياسية متزنة، فحتى الأنظمة التي انهارت في عدة دول عربية أهملت ثقافة الأمة العربية و تركتها تعتمد على الفكر المذهبية و الطائفية الذي لا يرجى منه سوى قوقعة العالم العربي على ذاته و تهيئة تقسيمه فكريا و اجتماعيا الى دول طائفية مذهبية صُغْرى تتقوقع على ذاتها و غير منفتحة على ثقافة حضارت الشعوب الآخرى...
كفا استهزاء بإنسانيتا كعرب، فالثمن كبير جدا فها نحن نرى أولادنا تسفك دمائهم و نحن عاجزون عن فعل اي شيئ حيال المهزلة التي تجتاح الوطن العربي حاليا،