كنا جلوسا في المقهى كالمعتاد حينما ينتهي النهار و نكون قد قرفنا من قراءة أخر أخبار الفساد و السرقات و القضايا التي نغمض عيوننا عنها ، و أخبار مجلس النواب و طوشات النواب والحكومة و النواب والرئيس ، و الرئيس و النواب ، و قرفنا بيوتنا و زوجاتنا اللواتي يشبهن دولة الرئيس حد التماهي فهن لا يعرفن إلا كلمة هات أو ادفع أو بدنا و نكون قد قرفنا كل شيء فنذهب إلى المقهى الذي يملكه بعض أصدقائنا حتى ندخن السيجار و الأرجيلة و نلعب الورق " الشدة " و نقضي الأمسية كلها و نحن نفكر متى يأتي " الجوكر " و الجوكر عادة لا يأتي ، كوعود الحكومة بالضبط ، و حينما يأتي الجوكر و لا يفيدك في شيء حيث ينقض عليك أحد الأصدقاء اللاعبين بهند على حين غرة يتناولك لاعب أخر بعد أن يكتشف انك تملك الجوكر و لم تستطع أن تستفيد منه بشيء بقوله " سنح الجوكر اللي ما ينفع صاحبه " و " سنح" شتيمة في القاموس الأردني ، سنحك على وزن سبعك إلى أخره ، و السنحة هنا للجوكر و ليس لصاحبه للحفاظ على كرامة اللاعب الذي لم يستفد من جوكره.
المهم ...
كنا سوياً نلعب و غارقين في التفكير في مسألة ترتيب الورق و قراءة أفكار اللاعبين الآخرين و هل يمتلكون أوراقا جيدة أم لا ، و إذا بنا نسمع صوتا يصرخ بنبرة عالية و حادة ، " عزز " و انتبهنا جميعا و إذا أحد أصدقائنا وصل للتو من الخارج و هو يقف على مقربة منا ويتحدث على الهاتف ، و صرخ الرجل مرة أخرى بكل جرأة وثابت و قد احمر وجهه " بقولك عزز " يا أخي عزز كمان ، و توقفنا عن اللعب و التفكير في الجوكر و سأل أحد الفضوليين منا أبو صلاح ، " شو عزز ما عزز " يعني تبدو كلمة سر بالنسبة لنا ، و أنهي أبو صلاح المكالمة و ارتسمت على وجهه ابتسامة المنتصر فقد عرف أننا جميعا من الجهلة و أن ما ندعيه من ثقافة و صحافة ليس إلا " سحب أفلام " و طلعنا ما بنعرف شو يعني عزز .
قال الصديق شوف الإسترليني نازل ، و ارتسمت على وجوهنا علامات الدهشة و قلنا جميعا بصوت واحد " بالله عن جد " و كأن الأمر يعنينا ، إحنا خارج الليرة ما بنعرف اشي لا إسترليني ولا روبل حتى ، قال آه والله ، الإسترليني نازل و بخبرني عميل البورصة انه نازل كما فقلت له " عزز " و سألنا طيب شو يعني عزز ، ابتسم أبو صلاح و قد عرف أننا من الراسبين في الصف بامتياز في هذا المادة و شرح لنا " عزز يعني اشتري كمان " .
ذهب أبو صلاح و تركنا مشدوهين نتنهد ، حتى أفقنا على صوت أحد المغاليب على الطاولة يصيح " تعزيييييز " و صحنا بصوت واحد الله أكبر ، ظنا منا أنه يقول تكبير ، ثم عدنا إلى طبيعتنا بعد أن استفقنا من هول الصدمة ، و قلنا شو مالك يا رجل بتصيح تعزيز ، قال بدي أعزز ، بدي أروح و ابيع ذهبات المرة و أعزز أنا الثاني ما دام الإسترليني نازل ، و بدأ يشرح لنا كيف يجب أن نتبع خطاه و نعزز ، و صرنا نفكر نسدد فواتير الماء والكهرباء الشهر القادم ولا نشتري إسترليني و نعزز.
حمدنا الله و أثنينا عليه أن الحكومة لا تعرف مصطلح تعزيز و إلا لصاح الريس كل يوم في وجع وزير المالية كلما أخبره عن ارتفاع أسعار النفط أو انخفاضه " عزز معاليك بقلك عزز يا أخي " و كان الله و يكلكو عشنا السنة طولها و إحنا نسمع الحكومة تصرخ " تعزيييييز " و نحن نرد الله اكبر ، حتى إذا ما انقضى العام كما نقضى العام الماضي و إذا بنا قد عززنا قد ما نقدر و رحنا في خبر كان.
تعزييييز ....