خرائط التيارات الدينية في بلادنا
حسين الرواشدة
15-01-2016 02:34 AM
لا توجد مسوحات دراسية معمقة حول خرائط التيارات الاسلامية التي تنشط في ساحتنا المحلية، لكن ثمة ما يشير الى بروز نحو خمسة تيارات تتوزع بين العمل الدعوي والفكري المجرد، والعمل السياسي المقترن بالدعوة، وبعضها يباشر نشاطاته بشكل معلن فيما يفضل الاخرون “الكمون” او محاولة كسب المريدين والاتباع في دوائر ضيقة جدا.
لكل واحد من هذه التيارات منطلقاته الفكرية، ومرجعياته المحددة، ومع ان ثمة هدوءا على السطح في علاقة كل تيار بالآخر، الا إن نيرانا محتدمة من الخلاف والاختلاف سرعان ما تشتعل عند اول مناظرة فكرية، او معاينة لفكر احد الطرفين مقارنة بفكر الآخر، حتى انك تتصور -احيانا- بأن الارضية الاسلامية التي خرجت منها هذه الاتجاهات ليست واحدة، وأن المشروع الاسلامي الذي يقف المسلمون كلهم للدفاع عنه.. تحول الى مشروعات، لا من منطلق الاجتهاد الذي يخول المسلم فهم الاسلام وتفهمه حسب قدرته وحاجته وظروفه، ولكن من منطلق الافتئات والمناكفة التي تلغي المشتركات وتسيّد الخلافات وتصنع لكل طرف وظيفة للتربص بالآخر واصدار احكام التكفير ضده.. واحتكار الحقيقة له وحده.. ومحاولة استئصال من يخالفه واغتيال فكره وشخصيته بسب او بدون سبب.
لا اريد ان اتحدث هنا عن حاجتنا الى حماية مجالنا الديني من الاختراق ، ولا عن ضرورة تشخيص حالة التطرف في بلدنا ومعرفة خرائطها “واباطرتها” لكن ما يهمني هنا هو الاشارة الى ضرورة اشهار خرائط هذه التيارات الدينية ، لكي تكون نشاطاتها مكشوفة وكذلك مصادر تمويلها وملاءتها المالية ومرجعياتها الفكرية، ذلك ان بعض هذه التيارات ما تزال في دائرة المسكوت عليه، لا سيما وانها تنشط في مجالات فكرية ودعوية فقط، وتتجنب الخوض بالسياسة ، و مصدر القلق هنا ليس في تعدد هذه التيارات وامتداد نشاطاتها وانما -اولا- في منطلقاتها الفكرية التي تتراوح بين التشدد والغلو والتكفير وبين الاسراف في هجاء الآخر ومحاربته، وفي مقدمة هذا الآخر -بالطبع- الاسلامي الذي تختلف معه، ثم - ثانيا- في غموض المرجعيات الفقهية والجغرافية التي تستند اليها و استقطابها لقطاعات غير معروفة من الشباب الذين تشدهم ظاهرة التدين، وقدرتها على الوصول اليهم ولغيرهم عبر المنشورات والكتب والمحاضرات والرحلات وغيرها.
وقد تبدو ظاهرة التعدد هذه ايجابية ما دمنا نتحدث عن ضرورة التنوع وحوارات المدارس وحرية الرأي والاجتهاد والتعبير، وعن اهمية تجديد وترشيد الدعوةالاسلامية، لكن الملفت، مع غياب الحوار بين هذه التيارات واحتدام الخلافات بينها، ان غياب العلنية في العمل والتوجه، ناهيك عن غياب المعلومات والضبط، يوفر مناخات تسمح لمن شاء باختراق هذه التيارات وتوجيهها والسيطرة عليها، الامر الذي يساعد على استخدام الافكار والفتاوى من جهة البعض في تسويغ منهج التطرف والغلو.. وهو منهج تصعب السيطرة عليه ما لم تعرف “العباءة” الفكرية التي خرج منها.. او الجهة التي صدرته للمجتمع.
باختصار، مطلوب من الدولة ان تدرس الواقع الديني وان تحدد وتصنف التيارات الناشطة فيه، كما انه مطلوب منها ان تفرز التيارات المعتدلة من الاخرى المتطرفة على مسطرة فكرية وفقهية، لا سياسية فقط، ومطلوب من المعنيين بالشأن الاسلامي من دعاة الاعتدال والحوار مع الآخر، ان يبدأوا بالداخل الاسلامي، من خلال تشجيع الحوار بين تياراته واتجاهاته، والوصول الى مشتركات فكرية ومراجعات حقيقية لتصويب مساراته.. فمن المؤسف ان يكتشف احدنا بأن هذا الاسلام الذي يعتز بالانتساب اليه، عاجز عن توحيد ابنائه الذين يريدون اقناع الآخرين به، او انه ما زال مختطفا من قبل الذين يريدونه خالصا لهم من دون العالمين.
الدستور