شاهدت فلم «ذيب» متأخرا، ربما جراء الانشغالات، والفلم الذي اخرجه ناجي ابونوار، وشارك به ممثلون ابرزهم الطفل «جاسر عيد» الذي مثل دور ذيب، يعد رائعة سينمائية بحق، من حيث التصوير والاخراج، والسيناريو والحوار، واداء الممثلين، وفنيات الصورة والاضاءة والكاميرا والملابس وغير ذلك،
ربما هكذا فلم تم تصويره في مناطق جنوب المملكة، بهذا البهاء الضوئي، احسن من عشرات حملات الترويج للاردن التي انفق عليها مئات ملايين الدولارات، فالافلام الناجحة جاذبة بما يفوق ان نأمر السياح اعلاميا بزيارة الاردن.
الفلم يحصد الجوائز، ويقترب من الاوسكار لفئة الافلام الاجنبية، وهي يروي قصة حدثت في جنوب الاردن مطلع القرن الماضي، لطفل يدعى «ذيب» وشقيقه يضطران لمغادرة مضارب القبيلة، في ظروف صعبة، ويتعرضان خلال الرحلة الى مغامرات، تؤدي الى مقتل شقيقه، فيبقى الطفل ذيب، في ظروف صعبة، مع قاتل شقيقه الجريح.
في الفلم قيم تحفر في القلب، اذ ان ذيب برغم انه لم يتمكن وهو اليتيم ابن شيخ القبيلة، من ذبح شاه مطلع الفلم، الا انه ثأر لاخيه من قاتله نهاية الفلم، وهذا انقلاب سلوكي يقول ان الطفل قد يشب بسرعة، ويفوق غيره وفقا لظرفه.
ذيب وفي قيمة لافتة للانتباه، لم يأخذ بحق اخيه القتيل، من القاتل، لكون الاخير كان جريحا، فتركه حتى وقف على قدميه، وكان يساعده على تناول طعامه.
في الفلم مشاهد أخاذه، مثل غرق ذيب في البئر، ورفض ذيب مشاركة القاتل في حصته من غنائم تم السطو عليها، من عسكري بريطاني، اذ ان ذيب، طفل عربي بدوي، عنده قيم اخلاقية لايتجاوزها، فلا يشارك في مال النهب، ولا يثأر من قاتل شقيقه وهو جريح.
لاانسى ابدا المشهد المؤلم اذ ينهر حسين شقيق ذيب، بطلنا «جاسر عيد» اي ذيب، فيرد عليه ذيب اليتيم قائلا بكل قوة وانكسار معا، وبلهجة بدوية «منت ابوي» اي انك لست ابي، ويشترك وجه الطفل الحزين مع التعبير اللغوي، فيحفر في قلبك الما خاصا، فهذا ممثل بارع تقمص دور اليتم مع مسحه الحزن على وجهه، لكنه اعاد تذكير الجميع، ان السلطة المتاحة للاب، غير متاحة لاي شقيق، او بديل في هذه الدنيا.
الفلم يثبت ان لدينا مواهب عظيمة، قادرة على اللمعان والنجاح، ويكفينا ان هذا الفلم حصد جوائز كثيرة، ولم يكن به اسفاف اخلاقي، ولا تجاوز، بل قصة عميقة من الوجدان العربي البدوي، حافلة بالشجاعة والقيم، ونتمنى حقا، لو قرر كثيرون ان يدعموا هكذا انتاج، لتجارب اخرى، اذ فيها مايفوق كل الكلام الدعائي عن الاردن، الذي لايصل بمقدار ماتصل اليه لقطة جميلة لمناطق الجنوب في فلم مثل هذا الفلم.
نتمنى لذيب ان يحصد الاوسكار، وهو اليوم بين خمسة افلام اجنبية وصلت الى المنافسات النهائية، ففي هذا تكريم للجهد العبقري، وان نرى مثل هذا الفلم، اذ في حياتنا الاف القصص التي تستحق ان تتحول الى تجارب سينمائية.
يبقى في الاثر تعبير قاله قاتل شقيق ذيب لذات ذيب حين عرف انه اليتيم ابن شيخ القبيلة، بكل سلوكه الشجاع فقال له وهو جريح بلهجته البدوية..» الذيب مايعقب غير ذيب» اي انه وصف والده الراحل بالذيب دلالة على الشجاعة والاقدام، وانه حقا انجب ذيبا، اسما ومسمى.
ننصحكم حقا بمشاهدة الفلم، فهو من نوع آخر، ومتوفر على اليوتيوب، ولايمكن لمن يشاهده، الا ان يعود له مرات، فنحن امام عمل رائع على كل مستويات الاخراج والسيناريو والحوار والفنيات والتمثيل ، وهو عمل يستحق التكريم الداخلي في الاردن على أعلى مستوى ايضا.
الدستور