الجلوة العشائرية والاصلاح المستحق
ماجدة المعايطة
14-01-2016 12:01 PM
جيّدٌ بالتأكيد أن تنشط وزارة الداخلية الآن لتعديل ما ترسّب من قانون العشائر الملغي، وتقلص حجم العقوبة في الجلوة العشائرية لتحصرها بوالد الجاني وأشقائه الذكور.
هذا جيّد من باب تخيف الضرر ، لكنه قطعا لا يلغي حقيقة أن العقاب الجماعي في الجلوة مخالف للشرع حيث لا تزر وازرة وزر أخرى ، ومجافٍ لصريح القانون الاردني الذي ينص على ان العقوبة لا يجوز أن تقع إلا على الجاني وحده.
لست متأكدة إن كان اعضاء مجلس الاعيان الذن قبلوا من وزير الداخلية هذا الاسبوع مبدأ الحفاظ على الجلوة(حتى وإن جرى تقليص شمولها من الاقارب للجد الثالث الى الاب والاخوة فقط) سمعوا ورأوا عيانا ما يحصل في الجلوات من تنكيل وتشريد ومهانة وقطع أرزاق، وكلّها اختراقات لبديهيات دولة القانون التي يفترض بمجلس الأمة أن يكون حارسها. فلم أسمع فيما نقل عن لقاء الوزير بالأعيان أن توجهاً ارتفع صوته في المطالبة بالغاء الجلوة من اساسها احتكاما للاصول القانونية في دولة المؤسسات ، بدلاً من مجاملة أعراف قديمة، زمانها غير زماننا وأهلها اليوم من العشائر الفاضلة هم الذين يدفعون الثمن ثقيلا وبدون مبرر مقنع.
بعض الارقام والتفاصيل القانونية قد تفيد في تبيان كم بات ضروريا ان ينهض من داخل النواب والاعيان والحكومة والمجتمع المدني من يأخذ على عاتقه مهمة فاضلة بالتحشيد لإلغاء مبدأ الجلوة من أساسها.
فمبرراتها انتفت وأضرارها تضاعفت على مواطنين لا ذنب لهم إلا أنهم يحملون إسم عائلة الجاني فيفرض عليهم ان يغادروا القرية وربما المحافظة دونما اعتبار لأعمالهم أو لامنهم الاجتماعي . حتى الجامعات ليس فيها ما يضمن التحاق ابناء الجلوة ، والامر متروك للمزاج وتقدير الحال.
متوسط عدد الجلوات في الأردن يصل بحدود 13 حالة سنويا تشمل مئات العائلات، أكبرها حصل في احدى قرى الزرقاءقبل خمس سنوات وانتهى أواسط العام الحالي بعد أن شمل 120 عائلة بإجمالي 800 شخص. وقبلها كانت هناك جلوة اخرى فاجعة في الكرك استمرت اربع سنوات وانتهت اواسط العام الماضي.
إجراءات التقاضي العشائرية في مواضيع القتل وهتك العرض التي تجيز طلب جلوة اقارب الجاني، تتضمن سلسلة من العطوات المرهقة، المكلفة وشديدةالوطأة على الجميع بمن فيهم أجهزة الأمن: تبدأ من عطوة فورة الدم ومدتها ثلاثة ايام وثلث اليوم، والعطوة الأمنية التي تمتد من ثلاثة أيام الى ثلاثة شهور، وعطوة الاعتراف ثم عطوة الامهال وعطوة التفتيش او العد واخيراً عطوة الصلح التي تتحدد فيها قيمة الدية التي تعترف بها المحاكم كعذر مخفف للحكم على الجاني. هي طقوس ومراسيم تستنزف وقت وجهد اجهزة الامن فضلا عن الناس الذين يمضون ثلاث او خمس سنوات بين الدواوين والمخافر وجلسات التقاضي الطويلة.
كان يفترض في الجلوة ان تختفي بعد ان فقدت إطارها التشريعي مع الغاء قانون العشائر عام 1976. إلا أن تطبيقها استمر وفي معزل عن نتائج المحكمة.السند القانوني الذي يجعل ترتيبات الجلوة تتم باشراف الدولة، بشخص المتصرف او المحافظ واجهزة الأمن، هو قانون منع الجريمة الصادر عام 1954 والذي اجاز لأجهزة الحكومة ان ترعى ترتيبات الجلوة من زاوية حقن الدماء بإجراءات وقائية بداعي منع المزيد من الجرائم.
ولأن العشائر نفسها هي التي تشكو الأن من جور الجلوة على مجتمعات تعقدت ظروفها والتزاماتها، فقد انعقدت سلسلة طويلة من الوثائق الاجتماعية خلال الثلاثين سنة الماضية لتخفيف الاكلاف المعيشية والنفسية على ابنائها.
عام 1986 وقعت العشائر على وثيقة تحدد الجلوة بالأقارب حتى الجد الثاني. لكنها لم تطبق. ففي حادثة الزرقاء وصلت حد اجلاء الاقارب من الدرجة الثالثة وقيل الدرجة الثامنة . وعام 2011 وقعت بالكرك وثيقة حصرت الجلوة بالأب وابناء الجاني من الذكور(وهو ما تعود له وزارة الداخلية الان)، لكن كل تلك الوثائق لم تنفع.
في دولة المؤسسات التي نستظلّ، يفترض بالبداهة ان تكون للقانون سلطة وهيبة تذعن لها كافة المؤسسات بمن فيها العشيرة التي نجلّ ونحترم .القانون نفسه الذي يجرّم أخذ الاقارب بجريرة احد ابناء العشيرة هو نفسه القانون الذي يقول بان اخذ الثأر جريمة لا علاقة لها بالأولى. وبالتالي فان الناس تفترض وتؤمن بأن الأجهزة الأمنية قادرة تماماً- وهي فعلا قادرة بكفاءة - على حماية أهل الجاني من ثار فورة الدم، ولا مبرر او منطق في اعتماد اجراءات وقائية (جلوة) تتضمن في ثناياها جرائم لا تحصى.
الموضوع باعتقاد كل من عايشه واقترب منه هو من الأهمية والاولوية بحيث يمكن ان تدرجه الحكومة ومجلس الأمة ضمن رزمة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي المعززة بارادة سياسية و"عين حمراء امنية" كما حصل في موضوع الاعيرة النارية... وقبل ذلك شجاعة التخلي عن التواطؤ المسكوت عنه وتأجيل إصلاح استحق منذ فترة طويلة.