الاحتقان الطائفي
القاضي الدكتور جمال التميمي
13-01-2016 12:29 PM
تمر المنطقة بحالة احتقان طائفي وتجييش مذهبي تُغذيه آلة عسكرية وتنافس سياسي واستقطاب ممنهج حري بجعل المنطقة تحت صفيح ساخن ردحا من الزمن أمام حاجات شعبية متزايدة ورغبة في الأمن وتحقيق متطلبات العيش .
وفي ظل غياب الخطاب العقلي الناضج فمن الضرورة بمكان أن يحل محله خطاب الكراهية ... السياسي دون اغفال المحاولات المقصودة إلى ربط الدين بالإرهاب من جهات كان لها ما أرادت ليصبح الدين غريبا في زمان يشعر كل فرد فيه بالاغتراب أمام رحى الحِراب التي تدق إسفينها في خاصرة الفرد والمجتمع ودليل ذلك خروج البعض من المواطنة وقيمها العظمى إلى التخندق خلف آلة القتل وتحت مسمى الدين والأمر الرباني وكل منها يدعي صحة منهجه وتناسوا أنه لا إكراه في الدين وأن الدم مصان والحدود تحمي الحرمات.
محاولة بعض الدول والجماعات إضفاء طابع طائفي على صراعاتها السياسية لإنشاء أرضية خصبة للاستقطاب سرع من وتيرة الاستعداء والقتل على الهوية والنتيجة خسارة في الأرواح والأموال وخسارة في استغلال الزمن للتقدم نحو الأمام ومحاولة إجهاض طموح الشباب والمجتمع في الانتقال لمجتمع تصان فيه كرامة الإنسان فالكل يقتل باسم الإسلام والإسلام بريء من القتل على الهوية والقتل لمجرد القتل والقتل لتحقيق أطماع دنيوية .
يتنادى كثير من الساسة للتقريب بين المذاهب أمام الشاشات وخلف المايكروفونات ولكنهم في الغرف المغلقة يخططون عكس ما يظهرون حيث أصبحت هذه الدعوى ذراً للرماد في العيون أمام تكفير الآخر والنتيجة نحن من يخسر ونحن من نضعف الهوية الوطنية وهذا بدوره اثر على النفسية العربية فبدلا من أن تتوق للتقدم وتستشرف المستقبل تجدها انكفأت خوفا من المستقبل بل وأصبح المستقبل هاجسها الأكبر فاستبدلنا الحلم والتمني بصناعة مستقبل مشرق بخوف من قتل وجوع وفقر أو انهيار عملة أو كساد بضاعة أو ارتفاع سعر وهذا بدوره غلف النفس بطابع الخوف بدل الرجاء وطابع الانكفاء بدل العطاء .
هذا الاستعداء أظهر بوضوح جماعات تكفيرية تقول لا للدين وتخرج عن كل القيم لأنها لم تقرأ ولم تمحص الحالة المجتمعية في الوطن العربي بل اتجهت لأخذ ما تسمع حقيقة مسلمة فتناقضت مع نفسها وخرجت عن طباع الفطرة السليمة واتجه الوعي العربي إلى البحث عن التناقضات مع الآخر في حين أن الوعي يجب أن ينصب على بحث قيم التشارك وقبول الآخر وحل محل الوفاق حالة استعداء تؤشر لغياب واضح لدور المثقف وعاد كثير ممن يشتغلون على إذكاء نار الاختلاف إلى بطون الكتب والتراث لإظهار التناقضات ومواطن الاختلاف واستخدام تفسير الدليل على هوى النفس فأصبح يستدل بالدليل للتأييد والمعارضة وللقبول والاختلاف في حين كان الأولى بحث مواطن الاتفاق .
فكلما تأخرنا في القيام بمسؤولياتنا، اتسع الشرخ وأصبحت نقاط الاختلاف حقائق مسلماً بها وطغى مبدأ إن لم تكن معي فأنت ضدي وإن كنت ضدي فأنت لا تستحق العيش ومن حقي مصادرة أحلامك .