هل بات إلغاء الموازي ضرورة وطنية؟
أ.د. أمل نصير
12-01-2016 09:37 PM
بعد مرور قرابة العشرين عاما على إطلاق برنامج الموازي في عدد من الجامعات الأردنية، فقد آن الأوان لمراجعته، وبيان ما له، وما عليه.
كان التفكير عند بدء الموازي وضع الطلبة المقبولين فيه في صفوف خاصة بهم، وفي أوقات مغايرة لطلبة البرنامج العادي، ورصد جزء من موارده لغاية الابتعاث، والإنفاق على البنية التحتية، وكل ما يصبّ في تحسين ظروف التعليم، وتجويد مخرجاته، لكن الذي حدث غير ذلك.
لكن الحكومات المتعاقبة وجدت فيه خلاصا من مسؤوليتها في دعم عدد من الجامعات ماليا، وتقليصه لأخرى، في حين وجدت فيه الجامعات معالجة لأوضاعها المالية المتردية بعدما وضعت الحكومة يدها على الأموال المُحصّلة لصالح الجامعات!
بدأت الجامعات تتنافس فيما بينها في استقطاب الطلبة في الموازي، فقبلت أعدادا كبيرة دون اعتبار لتأثير ذلك على مستوى خريجيها، وأوجدت برامج مشابهة له مثل الدولي، وفتحت تخصصات كثيرة تحت مسميات مختلفة في أغلبها مكررة ولا يحتاج سوق العمل إليها، وقبلت طلابا غير مؤهلين علميا لاسيما في التخصصات التي تحتاج إلى المختبرات، والمستشفيات، والتدريب والمتابعة، وأصبح هم الجامعات الأول: مقدار المال الذي تجمعه من الموازي لتغطية نفقاتها، فأصبح عدد الطلبة المقبولين فيه أحيانا يساوي أو يزيد عن عدد المقبولين في البرنامج العادي، إذ بلغ عددهم في العام الدراسي المنصرم 49% في كلية الطب و60% في طب الأسنان، و48% في الصيدلة، و21% في الهندسة.
أغفت الحكومات المتعاقبة عيونها قصدا عن مساوئ الموازي رغم علمها بتعارضه مع مبدأي العدالة وتكافؤ الفرص اللذين أكد عليهما الدستور! ورغم رؤيتها لبعض الجامعات وهي تفتح باب الموازي على مصراعيه لتوفير رواتب موظفيها طالما هي غير قادرة على رفع الرسوم، ولا تكفيها ميزانتها التي يذهب جزء منها لسداد رسوم الجسيم وغيره، وباتت هذه الجامعات في المقابل غير قادرة على توفير عضو هيئة التدريس المؤهل بعدما هجرها مَن سنحت له الفرصة أو سمحت له ظروفه بهجرتها، أما المختبرات والقاعات التدريسية ...فهي مهترئة ولا تصلح لتسميتها بهذا الاسم.
فماذا حصدنا من الموازي؟
تراجعت سمعة التعليم العالي في الأردن بصورة كبيرة، فخسرنا التنافس في سوق العمل بعدما كنا رقم(1) في كثير من التخصصات، وهذا يعني خسارة ميزانية الدولة لمصدر مهم كان يرفدها بالمليارات من العملة الصعبة كتحويلات للمغتربين من خريجي الجامعات الأردنية الذين يعملون في الخارج مقابل ملايين قليلة كسبتها الجامعات من الموازي(بلغت 187 مليون في العام المنصرم؛ أي 51 بالمئة من إيرادات الجامعات).
ومن سلبيات الموازي أيضا أن بعض الجامعات أصبحت طاردة لعدد من الطلبة العرب والأجانب بسبب تراجع السمعة العلمية والعنف، فخسر الاقتصاد الوطني والمجتمعات المحلية المبالغ التي كانوا ينفقونها على دراستهم ومعيشتهم ( يُقدّر ما تقدمه جامعة العلوم وحدها من دعم للاقتصاد الوطني من هؤلاء بــ 60 مليون هي نفقات 7000 طالب تقبلهم سنويا في كلياتها المختلفة)، فإذا ما أضفنا مقدار خسارة الاقتصاد الوطني من هذا المصدر من الجامعات الأخرى لفاق ما تكسبه الجامعات من الموازي.
ومن سلبيات الموازي أيضا زيادة أعداد العاطلين عن العمل من حملة الشهادات الجامعية، وتراجع التعليم المهني والتقني الذي نحتاجه بشدة، وانتشار العنف الجامعي إذ يُعد الازدحام في القاعات والساحات الجامعية هو أحد أسبابه.
فبئس الاستثمار في الموازي إذن!
من هنا أوصت اللجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية بوجوب إلغاء الموازي تدريجيا في السنوات الخمس القادمة بحيث يطبق الإلغاء على الطلبة الجدد وفق خطة مدروسة تعتمد البيانات الدقيقة لأعداد الطلبة، وإيرادات البرنامج، والطاقة الاستيعابية في كل جامعة، وسبل تعويض الجامعات عن فرق الايرادات الناتجة عن إلغائه.
أمام الحكومة خياران لا ثالث لهما: إما رفع الرسوم الجامعية تدريجياً بنسبة تغطي فرق الإيرادات سنوياً او زيادة الدعم الحكومي ليغطي الفرق في كل عام او الخيارين معاً بنسب يُتفق عليها بين الجامعات والحكومة.
إلغاء الموازي هو أحد الضمانات المهمة لرفع مستوى الخريجين، والحد من بطالتهم، ومنحهم قدرة المنافسة لإيجاد فرص عمل محلياً وإقليمياً علما بأن الأجندة الوطنية أوصت هي الأخرى بإلغاء الموازي إلغاءً تاماً باعتباره يهدد نوعية التعليم كما أكدت رؤيا 2025 على الالتزام بالقبول الجامعي على أساس الجدارة بشكل أساسي، وليس على أساس من يدفع أكثر أو غير ذلك من أسس القبول.