.. صرنا في حيطان العشرة ملايين (50ر9مليون) نعيش في شرقي الاردن. منّا 6ر6 مليون اردني والباقون: سوريون، وفلسطينيون، وعراقيون ومصريون، وليبيون ويمنيون.. وأناس كثيرون ليسوا عربا.. ويا مرحباً.. وأهلاً وسهلاً.
كنا ونحن اطفالا ندرس ان امارة شرقي الاردن يعيش فيها 350 الف نسمة. وفيها الى جانب الفلاحين والبدو الخليط ذاته تقريباً جاءوا الى عمان وبعض البلدات: سوريون وفلسطينيون الى جانب جالية مؤسسة: الشراكسة والشيشان. وكنا نقرأ في كتبنا المدرسية ان عمان (؟) ولكن مادبا والسلط والكرك ومعان واربد والرمثا من 4-5 آلاف. ايامها كان السوق بشوارعه الضيقة مرصوفاً بالحجر، ولدكاكينها ودورها طراز واحد. وكان المساء مكتظاً برائحة الطوابين الحادة، وغبار الحلال العائد من المرعى.
غير الحراثين والبدو والافندية كان الجيش والدرك في الضواحي والشرطة في المدن. وكانت العشيرة محور الحياة حتى اننا حين نخرج بعد الظهر من المدرسة كنا ننقسم في مادبا الى عزيزات وكرادشة.. وخذ يا حجيرية. ولكن ذلك كان نمطا من التقاليد، ولا علاقة له بالتقسيمات الاجتماعية. لم يكن الناس مسلمون ومسيحيون مثلا. وفي السلط كان المسيحيون جزءا من الحارة والاكراد. كانوا مقسومين، وفي الكرك كانوا مع الشراقا والغرابا. وحين استشهد الملك المؤسس عبدالله بن الحسين اخذت الحكومة قرارا بإعلان حالة الطوارئ وانزلت الجيش في عمان لكن الجميع رفعوا الاعلام السوداء على دورهم: الفلسطينيون والاردنيون.
نحن الآن (العشرة ملايين) نعيش في دولة لها دستورها، ومؤسساتها وتقاليدها الديمقراطية. وتحتمل ملايين الهاربين من اوطانهم، وتقدم لهم الامن والقبول الاجتماعي، وتنظم الاغاثة الدولية، وتنشط لزيادتها. وفي النهاية نمد ايدينا الى خزينة الدولة ونشكر اصدقاءنا لاننا امّنا 150 ألف مقعد دراسي لأبناء السوريين.
صرنا عشرة ملايين، ولا يرعبنا المستقبل، فنحن قادرون على ان نشرب البحر بعد تحليته. وقادرون على حماية البحر الداخلي من النضوب. وقادرون على تأمين الطاقة التي تشكل عصب الحياة الاقتصادية بكل الوسائل: الشمس والرياح والمعامل التقليدية الغازية والنفطية.. وقبل ذلك بالذرّة. وبعد سبع سنوات سيكون الى جانب قصر عمرة مفاعلان نوويان ينتجان 2400ك/س.
.. صرنا عشرة ملايين ولهذا السبب عندنا ازمة اقتصادية. والاردنيون الاصحاء لا يعتبرونها كارثة لانهم يعرفون اسبابها، ولذا فهم يتصدون لها بكل عقولهم وسواعدهم. وحين نستمع الى القائد نلمس حجم تفاؤله بالمستقبل..لا لأن مائدة ستهبط من السماء، وانما لانه يثق بشعبه، ولأن شعبه يؤمن بقيادته.
عندنا 2ر1 مليون سوري ونحن واثقون بان سلام وطنهم، سيعيدهم إليه. وسيبقى منهم عدد كبير.. يحب ان يستمر وعندنا 634 الف فلسطيني وقسم كبير من هؤلاء يستطيع المرور والعودة من وإلى فلسطين. ومن المؤكد ان دولة فلسطين ستسوعبهم في اي وقت، وستستوعب آلافاً من اللاجئين الذين يحملون الهوية الاردنية.
اما اليمنيون والعراقيون والليبيون.. فانهم ملح العروبة في الاردن.
يحمل الوطن الاردني كلَّ هذا الحجم من القلق والتحسب والفقر. لكنه يحمل معه إرادة صلبة. وعزماً لا يلين.
الرأي