وأنا اقلب (الرأي) هذا الصباح , لحظة كتابتي المقال , وقعت عيوني على خبرللزميلة رويدا السعايده ,عن تبرع صبية في الـ (19) من عمرها بكليتها لأبيها ,اسمها جيهان أبو عرقوب ...علما بأن عمليات التبرع تخضع للتدقيق من وزارة الصحة ولأسئلة مطولة ويتم عرض المتبرع على الطب النفسي ..وحين تصل الوزارة لقناعة كاملة , برغبة المتبرع الأكيدة ..تعطي الموافقة لإجراء العملية.
لقد مررت بتجربة مريرة تشبه تجربة (جيهان) , فقد تبرع ابن شقيقي وهو في الـ (23) من العمر لوالده بكلية أيضا ...وأدرك حجم التعب الذي تمر به العائلة , مع أن هناك اختلافا يكمن في أن جيهان ما زالت صبية في عمر الورد لا بل أصغر من الورد.
التضحية هذا هو معناها الحقيقي , فلو قدر لي أن اشاهد العملية الجراحية لأخبرت الجراح أن يترفق قليلا بجسد جيهان, ولطلبت أن يحضر نزار قباني كي ينشد لشعرجيهان الأسود الجميل بعضا من أجمل قصائد الغرام ....ولقدمت إستدعاء مذيلا باسمي وتوقيعي للمشرط , كي يكون حنونا ..ذاك أن الجميلات يشبهن الوطن في تفاصيلهن ونحن نسكن عيونهن ونعمد رجالا فقط في تلك العيون.
أريد أن اقول لجيهان وبالكركية الفصحى (عفيه أبوي) ..هكذا يحيي الرجال البنات في الكرك , واريد أن أقول لها ..في عمر الـ (19) تهتم البنات بالموبايل وبمتابعة برنامج (ذا فويس) ... وبمشاهدة ( أرب ايدول) وأحيانا بالموضة , أما أنت فقد تمردت على ثقافة هذا الجيل .. وقررت أن تكوني فدائية في الموقف والتضحية قررت أن تكوني , من زمن غير زمننا المليء باللامبالاة ..والزيف , قررت أن تنخرطي ..عن سبق إصرار وترصد بزمن البطولة , زمن غادة السمان ودلال المغربي ... وفدوى طوقان , ذاك أن الذي يخرج قطعة من جسده ويمنحها للأب الذي يملك ذات المشاعر ..حين يدخل معركة ولا يسأل فيها عن الحياة بقدر ما يهمه الوطن .
وأنا يا بنت لا أملك القرار بمنحك وساما ,ما أملكه هذا المقال وتلك المساحة المركونة في الصحيفة لحروفي .. فاعتبري ما أكتبه بحقك وساما .. من كلمات , واعتبري أن الخبر المنشور عنك في الرأي هو من أجمل الحكايات التي قرأتها عن وطني , وبلادنا تفتخر بالبنات اللواتي يملكن شجاعتك .. وأنت رصيدها الحقيقي.
... لو أن نزار قباني لم يمت وظل في زمننا هذا وشاهد صورة جيهان وشعرها الأسود وهي مستلقية على السرير بعد العملية , وشاهد حجم الطفولة والبراءة في وجهها ... لكتب فيها ديوان شعر كامل ... ولصاغ من ضفائرها مدارس في الحب ....
وطننا ما زال بخير ... وجيهان بخير .