البرطمان التشريعي" يبوس الواوا"
د.عبدالفتاح طوقان
25-03-2007 02:00 AM
هو الاسواء في التاريخ السياسي كما قال الصحفي "ايمن الصفدي " في جريدة الغد الاردنية ، نقول ربما ، و قد يكون صحيحا و لكن لا يمكن التعميم على اداء النواب بأكملهم ، و لكنه ليس برلمانا سياسيا حر الحركة بالتأكيد ، و انما "برطمان" حشر فيه النواب و قيدت حركتهم من انفسهم الذاتية ، و ما الفرق بين "البرطمان" و البرلمان؟ .
هنا تدخل الفلسفة السياسية و المغزى من وراء تشكيله .لذا اعذروني في ادخال كلمة "برطمان" من منطلق هندسي تشبيهي بحت .
اكثر من مائة نائب منتخب في دوائر انتخابية في المملكة الاردنية الهاشمية يعني "حشر" الناس في برطمان كبير مثل المخلل تحت قبة من المفترض انها تناقش و تتحدث و تقرر و تشرع و تراقب براحة و هدوء و عمق و تحليل.
و لكن عندما يحشر الناس مثل الخيار في البرطمان يصبح لا خيار لاحد سوى اضاعة الوقت في احاديث بلا فائدة ، و عند التصويت تضيع الطاسة و يقل تأثير الكتل.
و عندما كان النواب ينتخبون مرشح الدائرة الثالثة في عهد حكومة المهندس علي ابو الراغب، بعد ان توفى صاحب المقعد قبل انتهاء المدة و التى قدرت بشهرين انذاك ، ترشحت و تشرفت ان منحت خمس دقائق لاتحدث الى الاخوة النواب و الاعيان في الاردن عن برنامجي الانتخابي .
و قد كنت اول المتحدثين و اخترت ان اوضح لهم من خلال جهاز الحاسوب الشخصي ملخصا عن كيفية تحسين اداء مجلس النواب و كم يهدر من الوقت و المال في نقاش بلا فائدة و اوراق لا يقرأها احد و سكرتارية و مكاتب لكل فرد تحمل خزينة الدولة ما لا تحتمل و ميزات و مبالغ مالية بالملايين . كنت اتطلع الى برلمان حديث ذو صبغة تقنية نباهي به الامم.
كان رئيس اللجنة هو النائب و الصديق غالب الزعبي الذي عمل سابقا في جهاز الامن العام و يحمل رتبة لواء متقاعد و خلفيته قانونية و هو بالمناسبة رئيس اللجنة القانوينة بمجلس النواب .
و رغم انني امضيت اياما في البحث و الدراسة و الترتيب لان تكون الدراسة متميزة لاجل اردن متميز ، الا انني فوجئت بمنعي من استخدام جهاز الحاسوب و طلب مني الحديث دون اي اداوت تقنية مساعدة ، و عندما هاتفت رئيس مجلس النواب الاردني انذاك المهندس عبد الهادي المجالي ضحك و قال لي "تحمل " ، وفهمت المعنى بين السطور.
و عندما اعتليت المنصة امسكت عن الكلام لدقيقة فقال لي النائب الزعبي تفضل و تحدث ، فاجبته السكوت من ذهب اذا كان هذا حالنا في عصر التقنية ، و عموما باقي لي اربع دقائق لاوضح لكم رأي في المجلس و طريقه الاداء من منطلق اكاديمي يستند الى المعرفة و التحليل العلمي .
و اقصد القول هنا ان النائب الاردني بين يديه سنويا اكثر من مائة الف ورقة مطبوعة غير محاضر الاجتماعات و اللجان كيف ينظر فيها و يقرأها ؟ . ان هذا يمثل عبئا اضافيا و ماليا و جهدا غير طبيعيا لمجموعة محددة من النواب ، فكيف عندما يصبح العدد يفوق المائة !
ولو اضفنا ان الكل يريد ان يتحدث و ان يضيف و ان يناقش و ان يتدلل و ان يميز عن غيره و ان و ان و ان الى اخر الانات لهانت خزينة الدولة امام قراقوش و انهارات الميزاينة بوجود "حكومة الوقت الضائع " التى عليها ان تضيع وقتها في الحضور و الاستماع الى مئات المداخلات !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! .
هذه ليست الديمقراطية و لا بورتوكولاتها و حكمائها .
عندما نجد اكثر من مائة نائب في البرلمان فان الوقت يذهب هدرا ، و يدفع المواطن ثمن الاحاديث و التى بعضها شطط ، اي بلا داع و تكرار ، و ثمن الورق و الكهرباء و التدفئة و السكرتارية و غيرها من المصاريف و الامتيازات و الرواتب ، فهل هذا ما نبحث عنه ؟؟.
و بالتالي ، عندما يكثر العدد فأن النتيجة المنتظرة سيئة عينيا و ماديا و تشريعيا ، و يصبح الجلوس في المقاعد كيوم الحشر ، و النقاش مزعج و بالتالي فالقرارات غير متوازنة و ربما احيانا من الزهق لكثرة المتحدثين تخرج قرارات غير مدروسة او على عجل ، انطلاقا من فكرة " فكونا من المادة و شوفوا اللى بعدها ".
الهدف هوان يعاد النظر في تعداد النواب ، وفي مواصفات المرشح ، و في طريقة الانتخاب ، و في طريقة الاداء ، و كيفية التصويت و غيرها من ادوات البرلمان و الحياة السياسية الاردنية.
ان العالم امام حقبة ديمقراطية الكترونية قادمة ، و لا يزال التصويت يأتي من خارج القاعة احيانا و في ظل امية الكترونية لدى البعض ، و اوراق لا يهتم بها احد بل لا تقرأ.
المشكلة ليست فيمن وصل الى البرلمان ، و لكن فيمن تصور ان وجود اكثر من مائة نائب هو الحل لتطويق القرارات و تمييعها ، فجائت مميعة على حساب العقل عوضا عن تحسين السيولة حفاظا على شرايين القلب .
النجاح في الانتخابات النيابية لا يعني بالضرورة للاكفاء او الانجح او الاقدر ، فكل دورة لها ناسها وقانونها ، و في كل قانون ثغرات و في كل ثغرة تراجع ، و في كل تراجع ثمرات بلا طعم او لون او رائحة ، و في كل لون مادة تجعل الالوان كلها متوحدة مثل الماء العكر في برطمان المخلل . و في كل رائحة "حريفة انتخابات يعرفون كيفية النجاح و مع من يتحالفون، فهل هذا ما نطمح له في الانتخابات القادمة ؟.
اعتقد ، ان الاردن ليس بحاجة الى كل هذا العدد من النواب و الاعيان ، و ان الازدحام ليس في الاحزاب التى تعيق الحركة و لكن في البرلمان و مجلس الاعيان و الذي بحجمه الكبير و مصاريفه الباهظه هو احد الاسباب التى قد تعيق التقدم و تضيع وقتا هاما من رجالات الوطن و تعكل اداء الحكومات، و التاريخ هو الحكم .
فقد ضاع نواب جيدين في" زحمة يا دنيا زحمة" ، و فشل وزراء جيدين في "ابوس الواوا " لاجل ثقة نيابية.
لقد دفع الوطن اكثر من ثلاثين مليون دينار لاجل نقاش و تفريغ "فمي " لكلمات و جمل ترجمتها الصحف الى عنوان " الديمقراطية " و حقيقتها "فوضى ديمقراطية ".
نصيحة الاطباء لمرضى الضغط الابتعاد عن المخللات ، و الضغط السياسي بحاجة الى كسر البرطمان و البحث عن برلمان بنموذج جديد يتماشى مع العصر" بلا زحمة" او "بوس الواوا".
aftoukan@hotmail.com