تستعد المنطقة العربية هذه الأيام ، لخوض صراع عربي- إيراني جديد ، مغلف بالطائفية والمذهبية البغيضة ، وتتعدى تداعياته مانجم عن الحرب العراقية –الإيرانية التي إستمرت ثماني سنوات ، وذهب ضحيتها العراق الذي دخل مرحلة التشظي كما نرى اليوم ،وفقا للمشروع الصهيو – أمريكي القاضي يتقسيم المنطقة إلى كيانات إثنية عرقية طائفية ، ترتبط بوتد في تل أبيب ، وإنشاء جامعة بديلة لجامعة الدول العربية ، إسمها جامعة الشرق الأوسط ، وستكون مستدمرة إسرائيل هي المرجعية والسيد فيها ، لأن العرب سيكونون أقليات صغيرة ومكروهة في المنطقة ، كما خسر الفلسطينيون موقعهم النضالي أيضا لعدم وجود العراق إلى جانبهم بسبب إنشغاله بحرب إيران التي فرضت عليه.
وللإنصاف فإن يوادر هذا الصراع بدأت عندما تمكن الإيرانيون من خلع الشاه المقبور ، الذي قررت أمريكا التخلص منه لأنه تمادى في علاقته معها ، وطلب أن يكون مسماه شريكا لأمريكا وليس وكيلا لها بحجة أنه إمبراطور ، وتمتاز إيران بالغنى والثروة النفطية ، وبأنها صاحبة خامس أقوى جيش في العالم ، وعلاوة على ذلك رغب في شن حرب على الإتحاد السوفييتي السابق لتحرير جبل محتل تابع لإيران ، وعندها ظهر الإمام الخميني وأخرج من النجف في العراق ، ووجدوا له مكانا آمنا في باريس ، وأصبح يمطر الشعب الإيراني بالكاسيتات المحرضة على الثورة ، مع قيام البنتاجون الأمريكي بإرسال رسالة إلى قيادة الجيش الإيراني ، تحذرهم من المساس بالجماهير الثائرة ، وكذلك وجهت السي آي إيه رسالة تحذير إلى المخابرات الإيرانية "السافاك " ، تحذرهم من المساس بالجماهير الثائرة ، الأمر الذي جرد ملك الملوك في طهران من أي دعم له ، كما حذرت واشنطن قادة العالم من إستقبال الشاه ، رغم أنه كان يجلسهم إبان الإحتفالات الإمبراطورية على "كابينات " ومراحيض من ذهب خالص، وسمحوا فقط للرئيس الراحل أنور السادات بإستقباله بحجة النسب والمصاهرة.
بعد ذلك تحولت العلاقة العربية –الإيرانية من صداقة حميمة مع نظام الشاه ، إلى علاقة عداوة بغيضة مع نظام الملالي الجدد ، الذين طردوا الإسرائيليين من طهران وسلموا سفارتهم لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وخرجت علينا نغمة نشاز ، عنوانها تصدير الثورة ، وكأن الثورة محصول مانقا سودانية على سبيل المثال ، يتم تصديره للأسواق الخارجية.
المخرج من تلك الورطة كان توريط العراق في حرب مع إيران بحجة أنه بلد قومي ، وهو القادر على إلحاق الهزيمة بها ، كونها خارجة من أزمة داخلية أنهكتها ، مع الإعتقاد أن الحرب لن تزيد عن أسبوعين ، لكنها إستمرت ثماني سنوات أكلت الأخضر قبل اليابس وقسمت العرب عربين "بعث سوريا تحالف مع طهران ضد بعث العراق"، كما قسم المسلمين قسمين وكذلك شق الصف العربي- الإسلامي .من هنا جاءت فكرة مشروع الشرق الكبير الذي صاغه الحاقد على العرب والمسلمين الصهيوني- الأمريكي د.بيرنارد لويس ، وتم عقد جلسة سرية للكونغرس الأمريكي لإقرار ذلك المشروع عام 1983 ، سبق ذلك إقرار مستدمرة إسرائيل لخطة مشابهة لهذا المشروع أسمتها "خطة كيفونيم " في 11 حزيران عام 1982 أي عندما كان السفاح شارون يجتاح بقواته الإنكشارية لبنان ، ونجح بدعم من قوى إقليمية في إحتلال بيروت بعد غدر منظمة التحرير الفلسطينية وإخراج قواتها إلى تونس والشتات.
في الأيام الأولى للحرب العراقية – الإيرانية كان وزير خارجية أمريكا الأسبق هنري كيسنجر في زيارة لألمانيا الغربية ، وعقد مؤتمرا صحفيا في فرانكفوت ، وصف فيه تلك الحرب بأنها "فخار يكسر بعضه" ، لكنه شدد في معرض إجابته على الصحفي الألماني الذي وجه له السؤال ،على أن أمريكا ستتولى أمر الرابح في هذه الحرب ، وهذا ما جعلهم يخرجون بنتيجة مفادها ان العراق هو الذي إنتصر على إيران ليسهل إلتهامه في ما بعد ، كونه بلد عربي ، يسهل الإنقضاض عليه ، بعكس إيران "الفارسية "التي تعد عصية على الغزو الخارجي هكذا ، لأن الإيرانيين سيتوحدون أمام العدو الخارجي رغم خلافاتهم الداخلية عكس العرب .
بعد المواجهة بين مستدمرة إسرائيل وحزب الله اللبناني التابع لإيران صيف العام 2006، وقيام الحزب بتمريغ أنوف قادة إسرائيل بكافة في الوحل ، وصموده أمام الغزو الإسرائيلي لخمسة وثلاثين يوما ، وإمطار المدن الإسرائيلية في فلسطين بالصواريخ للمرة ألأولى ، وإغراق السفينة الحربية "ساعر 5" بالصواريخ ، غرقنا في موجة غير مسبوقة من الطائفية والمذهبية ، وشهدنا فرزا مذهبيا سنيا- شيعيا ، ومنذ ذلك الوقت غرقنا في مأساة باتت تتعمق يوما بعد يوم ، إلى أن وقعت إيران إتفاقا نوويا مع الغرب وامريكا "5+1"، وعندها إنفجر الدمل ،وها نحن نغرق في المأساة التي تطل علينا بوجه أقبح من السابق كل يوم.
بعد العام 2006 ، كنا أسرى لتسريبات عن خطط إسرائيلية لغزو إيران من اجل تدمير مفاعلاتها النووية على غرار ما جرى مع العراق في بداية الحرب مع إيران ، حيث قامت طائرات إسرائيلية بالعبور إلى إيران مخترقة اجواء عربية ودمرت المفاعل العراقي تموز ، رغم أن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان قد سرب لبغداد تقريرا مفصلا عن الخطة الإسرائيلية ، لكن المسؤولين العراقيين في ديوان الرئاسة لم يسلموا ذلك التقرير إلى مكتب الرئيس صدام حسين.
في تلك المرحلة حاول السفاح شارون الضغط على الرئيس الأمريكي الأسبق المتصهين بوش الصغير ، لضرب إيران بعد نجاح عملية غزو العراق ، لكن بوش المجنون قال للسفاح شارون أنه لن يتهور بضرب إيران "الفارسية " ، كما فعل ولبى الرغبة الإسرائيلية بغزو وإحتلال وتدمير العراق ، لأن الفرس يختلفون عن العرب في ردة فعلهم وتعاملهم مع الغزو الخارجي.
والأغرب من ذلك أن دولا عربية معنية حاولت دفع إسرائيل لشن عدوان على إيران مع التعهد بدفع كامل التكاليف ، لكن قادة مستدمرة إسرائيل رفضوا تلك المقاولة لنفس التخوف ، علاوة على انهم لا يخوضون مثل تلك الحروب بجنودهم ، بل بجنود الآخرين ، ولذلك إنقضت السنون ولم نر الخطط الإسرائيلية بشن الحرب على إيران تخرج إلى النور.
بعد إندلاع ما يطلق عليه عبثا "الربيع العربي " ، تعمق الفرز السني الشيعي في المنطقة ، ناهيك عن سيطرة إيران على الحكم في بغداد من خلال الحكام الشيعة الجدد ، ودعمها للنظام السوري ردا على تحالفه معها ضد العراق ، ولأمور عقدية اخرى ، إضافة إلى تمتع حزب الله بقوة فريدة في لبنان بعد صموده الأسطوري في وجه مستدمرة إسرائيل ـ وقد وجدت إيران لها موطيء قدم جديد في اليمن من خلال الحوثيين ، كما انها تبنت دعم حركة حماس الفلسطينية ، وهذا يعني أن إيران "الشيعية "دخلت إلينا من خلال المقاومة ، وهذا ما عجز عنه الآخرون.
بعد توقيع الإتفاق النووي الإيراني ، صار لزاما على العربية السعودية بالتحديد حسم الأمر مع إيران وخاصة بعد ثورة الحوثيين في الخاصرة السعودية ، وتحالفهم مع الحليف السعودي السابق علي عبد الله صالح الذي رفض التخلي عن السلطة ، وتبين أن الغلبة أصبحت لإيران .
ما زاد الطين بلة هو عدم نجاح المساعي السعودية بالحسم في سوريا حيث ورغم مرور أكثر من أربع سنوات على المأساة في سوريا ، تبين صعوبة القضاء على بشار الأسد الذي تجددت قوته بعد التدخل الروسي في سوريا ، وكان إيران تدعم نظام الأسد بقوة قبل التدخل الروسي ، وهذا ما أضاف زيتا على النار المشتعلة بين العربية السعودية وإيران ، إلى أن أقدمت السعودية على إعدام 47 معارضا يتقدمهم الملا نمر النمر ، الأمر الذي أثار حنق إيران والشيعة بعامة ، وقامت إيران بحرق سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد ، الأمر الذي أثار حنق العربية السعودية والسنة بعامة ، ودخلنا مرحلة اللاعودة .
نحن ضد تنفيذ حكم الإعدام لنشطاء الرأي والمعارضة ، لكننا نؤكد أن الملا نمر النمر ليس أغلى من دماء أطفال فلسطين الذين يقوم المستدمرون الصهاينة بحرقهم رضعا في بيوتهم وهم نائمون ، ولا أغلى من اطفال سوريا والعراق واليمن والسودان والصومال ، كما أننا لسنا مع إحراق السفارات والقنصليات ، ونؤكد أن مبنى أي سفارة أو قنصلية ليس أغلى من المسجد الأقصى الذي تعرض للحرق عام 1968 من قبل الصاينة ، وما يزال يتعرض للتدنيس يوميا من قبل الصهاية ولا أحد من العرب والمسلمين يتحرك لنجدته .
هناك تقرير أمريكي جرى تسريبه مؤخرا حول الفوضى الخلاقة في المنطقة يقضي بجر السعودية إلى ما لا تحمد عقباه لتقسيمها ، شأنها شأن الدول العربية الأخرى ، وها هو داعش يتولى مهمة التقسيم بعبثه ، وسيتم إشعال فتيل الحرب بين السعودية وتحالفها مع إيران ، وها هي أمريكا تقف على الحياد ، ولم تقف تركيا مع السعودية ، ما ينذر بأن النتائج علينا جميعا ستكون وخيمة ، وسيكون التقسيم أيضا من نصيب إيران بعد إنهاكها في الحرب المقبلة ، حيث تخطط امريكا لإرسال تنظيم إرهابي جديد تطلق عليه إسم خراسان ليعبث في إيران من الداخل لتقسيمها ، وتتحقق فكرة مشروع الشرق الأوسط الكبير ، الذي لن تنج منه دولة عربية او إسلامية ، لأن إسرائيل اليهودية هي التي يجب ان تكون السيد المطاع في هذه المنطقة التي تمتد ما بين ساحل البحر المتوسط الشرقي وساحل بحر قزوين الغربي ، فأمريكا كما بات واضحا تجهز نفسها لمغادرة ساحة الشرق الأوسط وتطويب المنطقة لمستمرة إسرائيل ، لأن امريكا تستعد للمواجهة مع الصين وماليزيا والهند وروسيا في بحر الصين العظيم.
مطلول لجنة حكماء جدا وعقلاء جدا التحرك الفوري لنزع فتيل الحرب بين العرب وإيران لأنه لن يكسب أحد فيها ، وسنكون كلنا خاسرين من هذه الحرب المدمرة التي ستشهد نزالات شنيعة ، في ساحات متعدد في العالمين العربي والإسلامي ، ولا أريد التذكير بأن إقدام أمريكا على خفض سعر برميل النفط إلى حدود 30 دولار والإيحاء بأنه سينخفض إلى 20 دولار هذا العام جاء من فراغ ، بل سببه إفراغ خزائن الخليج وإعادته إلى مرحلة ما قبل النفط ،لأن كيسنجر قال يوما وهم يستعدون لغزو العراق ، أنهم ذاهبون لتصحيح خطأ "الرب" ، الذي وضع الثروة في يد أناس وصفهم بالمتخلفين بينما حرم منها الشعوب المتقدمة .