أمن المعروف قتل الابن لأمه؟
حلمي الأسمر
11-01-2016 02:10 AM
تناقلت وسائل الإعلام أخيرا، نبأ قتل أحد عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف باسم «داعش» والدته أمام جمع من الناس في وسط مدينة الرقة شمال سوريا بعدما طلبت منه التخلي عن التنظيم، والنبأ منسوب للمرصد السوري لحقوق الإنسان، حيث نقل المرصد إن أحد عناصر التنظيم الجهادي واسمه علي صقر والبالغ 20 عاما، قام بإبلاغ التنظيم عن والدته «لأنها حرضته على ترك تنظيم الدولة الإسلامية والهرب سوية خارج الرقة وحذرته من أن التحالف الدولي سيقتل جميع عناصر التنظيم» وعمد التنظيم على الأثر إلى اعتقال السيدة «واتهمها بالردة».
وقام ابنها "بإعدامها بإطلاق النار عليها أمام مئات المواطنين قرب مبنى البريد في مدينة الرقة"، بحسب المرصد.
مدير المرصد رامي عبد الرحمن قال بدوره إن السيدة واسمها لينا القاسم في العقد الرابع من العمر، «كانت من سكان مدينة الطبقة على ضفاف نهر الفرات غرب الرقة وتعمل في مبنى البريد هناك». ولم يتسن لأي من وسائل الإعلام التي نقلت الخبر التأكد من صحة الخبر، الذي انفرد بنقله المرصد.
حين قرأت الخبر، شككت فيه، إذ ليس لعقل سوي أن يتخيل أن ثمة ابنا قادرا على قتل أمه بهذه الطريقة البشعة، على مرأى من الناس، بسبب طلبها أن يترك هذا «التنظيم» ولكن يبدو أن الخبر يحمل قدرا من الصحة، وهو مؤصل «شرعيا» لدى من يحكم ذلك التنظيم، وبعد عملية بحث سريعة، وجدت أن هناك نصا في كتاب مجموع فتاوى ابن تيمية يبيح للابن أن يقتل أحد والديه إن أشركا، وهذا النص موجود في الصفحة 478 من الجزء الرابع عشر من الفتاوى، التي حققها كل من عامر الجزار وأنور الباز، حيث ورد ما نصه: (قال تعالى : { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا } فهذا محرم مطلقا لا يجوز منه شيء (وبالوالدين إحسانا) فهذا فيه تقييد . فإن الوالد إذا دعا الولد إلى الشرك ليس له أن يطيعه بل له أن يأمره وينهاه وهذا الأمر والنهي للوالد هو من الإحسان إليه. وإذا كان مشركا جاز للولد قتله وفي كراهته نزاع بين العلماء).... وجاء في «السنن الكبرى» للبيهقي: باب المسلم يتوقى في الحرب قتل أبيه، ولو قتله لم يكن به بأس:... أن طلحة بن البراء رضي الله عنه لما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يا نبي الله، مرني بما أحببت، ولا أعصي لك أمرا، قال: فعجب لذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو غلام، فقال له عند ذلك: « فاقتل أباك «، قال: فخرج موليا ليفعل، فدعاه قال: « إني لم أبعث لقطيعة رحم» كما أن النبي صلى الله عليه وسلم منع أبا بكر يوم أحد عن قتل ابنه عبد الرحمن وأبا حذيفة بن عتبة عن قتل أبيه يوم بدر!
وهنا لا بد من عدة وقفات..
أولا: نص ابن تيمية «يجيز» قتل الولد لوالده المشرك، رغم أن هناك «نزاعا» بين العلماء حول «كراهية» هذا الأمر، ما يدل على أن «داعش» ليس تنظيما متطرفا فقط، بل يختار من الفتاوى أشدها، حتى ولو كان فيها خلاف!
ثانيا: لم يثبت لي أن صحابيا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم قتل أحد أباه المشرك المحارب (فما بالك بأمه!) بأوامر من نبي الرحمة، وكل الروايات التي نقلت في هذا الشأن يشوبها عوار وشك، ومن ضمنها الروايات الخاصة بكل من عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ وحنظلة بن أبي عامر وأبو عبيدة بن الجراح، بل ثمة نصوصا كثيرة تؤكد عدم جواز ارتكاب هذا الفعل الشنيع!
ثالثا: كيف يمكن اعتبار دعوة الأم لابنها لترك التنظيم ردة وشركا؟ من قال أن هذا التنظيم هو الحق وغيره باطل؟ أي عقلية إجرامية تغرر بأبناء الأمة على هذا النحو الشنيع؟
وأختم بما قاله الشَّافِعِيُّ: كَفَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا حُذَيْفَةَ وَعُتْبَةَ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَحِلُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِمُصَاحَبَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ»!
الدستور