ما فعله شاعر فرنسي قبل ثلاثين عاما اعادت اقتراحه سيدة اعلامية، ورغم ان التكنولوجيا بمحاصيلها الجهنمية لم تكن قبل ثلاثين عاما كما هي الان الا ان الشاعر قرر في لحظة ان يتخلص من كل الادوات في منزله الصغير، لأنه اكتشف فجأة وبعد ان تراكمت الادوات انه عبدها وليس سيدها، وانه اصبح ضيفا ثقيلا في منزله، فتخلص من المكنسة الكهربائية والثلاجة والغسالة وحتى المكواة الكهربائية وجلس على مقعد امام طاولة صغيرة محاطا بالفضاء ولم تعد قدماه ويداه ترتطم بأي شيء وقال انه اصبح قادرا على التثاؤب بحرية بحيث يمد ذراعيه في الهواء ولا يصطدمان بمعدن هنا او خشب هناك.
اما السيدة الاعلامية فقد ادركت ان الاختراعات الجهنمية دمرت علاقات الاسرة ولم يسلم الفرد نفسه من التدمير لأنه تحول الى كائن افتراضي يعيش في عالم يعج بالاشباح..
تقول السيدة ان ابن صديقتها كانت اول كلمة تلفّظَ بها هي "تيوب" وليست ماما او بابا او اي شيء آخر فالحياة كلها في ايامنا لم تعد عضوية بدءا من الطعام الملغوم بالهرمونات وعديم الطعم حتى الهواء المعلّب والماء المصنّع، وما تقترحه السيدة هو تخصيص يوم واحد فقط من الاسبوع يحظر فيه استخدام الانترنت والهواتف ويقلع فيه الناس عن التهام اللحوم ويكتفون بما هو نباتي فقط!
انه مطلب مشروع وانساني وصحي لكن السيدة حسنة النية نسيت ان الناس في يوم كهذا لن يجدوا لديهم ما يقولونه لبعضهم، وانهم سيجلسون صامتين وعيونهم على عقارب ساعة الحائط بانتظار ان ينتهي هذا اليوم من الصيام كي يفطروا على رسالة من هاتف او على اغنية من التلفزيون وبالتالي على كثير من اللحم كي يعوّضوا ما فاتهم!
لقد ذكرتني هذه السيدة باكاديمية فرنسية تجاوز عمرها السبعين وكانت تدرّس الفلسفة بجامعة السوربون في باريس ثم قررت ان تهاجر الى الريف في الجنوب الفرنسي، وتتحول الى نباتية وتصبح من الاشد حماسا للدفاع عن البيئة.
اما بيتها الصغير الحميم فقد قررت ان تستضيف فيه كل عام ضيفا ممن يشاركون في فعاليات ثقافية فرنسية، وشاءت المصادفة ان اكون احد هؤلاء الضيوف وفي الصباح دقت الباب لأن البيت بلا جرس وايقظتني قبل موعد يقظتي بعدة ساعات وقالت لي انها سوف تعرّفني على بناتها السبع، لاكتشف ان بناتها سبع نعاج ترعاهن وتتسلى بهن، اضافة الى كلب ضخم بحجم اسد اسمه نيتشة على اسم فيلسوف تحبه، ولو كانت هذه الاستاذة في وطننا العربي لأبلغ عنها الجيران الشرطة وتم حجزها، اما السيدة صاحبة الاقتراح فأقول لها انتظري يوما ثامنا من الاسبوع!
الدستور