يا أيها العيد الذي لن يعود!
10-01-2016 06:19 PM
ليس عنك أكتب، ولكن لك سأكتب،همس من القلب الى القبر،حيث لا نكد الدنيا ولا انتظار لأمر الله الذي ليس منه مفرّ، لا مرّاء هناك ولا كذّب ، لك يا أبتي تتسابق جمرات الدموع تكوي الضلوع ، من حشاشة القلب الواسع الى ضيقة الصدر الموجوع ، يا حسرة تنشب في غشاء القلب الذي سكنته أناتك وتنهيداتك ، وصفير صدرك الكبير ،صدرك الواسع الذي وسع الجميع واحتفى بالجميع وخفق محبة للجميع، لا فرق عندك بين عاص ٍ ومطيع ، علمتنا أيها الكبير أن الكبار لا يصغرون مع صغائر الصغار ، ومت كأنك طفل نائم لا ضغينة ولا ثأر، أنت كما كنت أنت الكبير، حنان لا يعرفه الكثير يا أبتي، آلاف الناس مرّوا على صحن بيتك فما صغروا ولا بهتوا، فما ضننت بـ «فزعة» يا طلِق الحِجاجّ ، ضحكتك كالصبح حين الإنبلاج.
يا أبتي: إسترحت من دنيانا وأتعبتنا، يذبحنا الشوق الى قدميك المتعبتين ، الى عينيك الذابلتين، الى كفيك المباركتين، إشتقنا الى مرضك والى هرمك، والى سعالك وأنفاسك التي يكابدها فمك، فصدرك الكبير ضيّقته أحمال السنين ، كنت جمل المحامل في زمن عزّ فيها رجال المحامل، حتى رجال رعيلك لم يبق منهم من يؤنس وحشتنا، فزاد الشوق شوكا ينشب إبره في خلجاتنا ، قليلون جدا من رأيناك في أعينهم التي ذرفت دمعها الغالي حينما جاؤوا يعزون فيك ، فخرجت شيم الرجال وأعادتنا الى الزمن الأصيل ، زمانكم الذي مات ودفناه في القبور على امتداد هذه الأرض الطهور.
يا أبتي يا مفارقا ما كان من فراقه بدّ، اليوم عرفت كم إن الإبن مهما كان كهلا أو شيخا كبيرا، فإنه ينكشف طفلا صغيرا ، مطوي الجناح ذي زغب ٍ، كان ستره عباءة أبيه ، لا يطمئنه بعد الله سوى صدر أبيه، وقُبلة أبيه، ودعاء أبيه ، وصيحة أبيه في وجهه ، فهي البلسم الشافي، وهي ثوبه الوافي،وهي سعادته و جَوه الصافي ، فكيف تعود الأيام يا أبتي ، لنطرد برد الليالي الموحشات حينما أتفقد حضنك الدافي،هيهات هيهات، فلا طعم لهذه الحياة دون جبينك الطاهر حيث بركات الصباح حينما أحضنه بالقبلات، ذلك سرّ يا أبتي ، وقليل من يعرف سرنا الخافي ، سواك أنت وأختي.
رحلت مسرعاً كأنك العيد الذي لا يعود، رحلت وتركت فراشك يتململ بحثا عن جسدك « العَود»، كانت السماء تتململ بالسحاب، ساعات قلائل فاحتضنتك أمك الأرض وغطاك التراب ، ساعة بعدها وأمطرتك السماء بماء قريب عهد بالله ، فابتلت الأرض ، وأنت كالقمح المبذور في الأرض الطيبة ، فاستعدت ما كنت تقول لي دائما حين المطر: على الناس أن يزرعوا أرضهم بالقمح حتى لا تمرض الأرض أو يمرضوا ، فيا أبتي إن كنتم أنتم بركة هذه الأرض قد فارقتمونا، فلا قمح ينفعنا ولاشجر ، ولا بيوتا زركشناها بالقرميد والحجر ، كنتم زعامات قصوركم بيوت الشعَر.
كنتم يا أبي قبل أن تنساكم الأجيال ودول الأيام، بركة الأرض حينما كانت قصوركم كرّم وكرامة، ومروءة وشهامة ، وشجاعة حمّت هذه البلاد عندما نكص الأولاد، فلكم الأوسمة على ألسن الخلق وتاريخ الشفاه ، في ذكرياتكم أشياء لا يعرفها هؤلاء المشاة ، ذكريات الشيوخ الشيوخ والأبطال الأباه ،وسواعد الرعيل الأول البناة، من البوادي الى القرى ،لم يعرفوا التجارة ، ولا لعبة الأقنعة وأقبية السياسة وتبادل المواقف وعرض الأوطان للتجارة ، لم تعرفوا زيف الحضارة ، وها قد رحلتم ولم تبدلوا تبديلا.
يا جمرة الشوق التي تكوي كبدي، يا وجعا، يا شيخا كان في هرمه وعجزه ومرضه سعادتنا وسندي، يا راحلا الى الله خير مُنزل ، يا مفارقا تركت خلفك تاريخا ذيلته بالأنين،عشت طيبا كريما أسدا صهورا قناتك لا تلين،حين استكانت الشجعان لم تستكن ، يضج الخلق المعافيون بالشكوى ، وأنت بقيت على عهد الأولين،مشمخر القامة رغم إحدداب ظهرك، فلم تشك ولم تهن.. ياخالدا:الى جنات الخلد،فسلام عليك منا من البيت وأهله ومن «سما» التي تركتها صباحا ولاتزال تسأل: «وينو جدي» ، فلا إجابات سوى الحشرجات،.. آمنت بالله ، فهل هذه حياة؟ إنا لله وإنا اليه راجعون.
Royal430@hotmail.com