الرياضة والحضارة والفخر الوطني
باتر محمد وردم
25-06-2008 03:00 AM
بعيدا عن أجواء مشاكلنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، اندمج الكثير من الأردنيين والعرب في متابعة أجواء بطولة أمم أوروبا لكرة القدم كما هي الحال مع كل البطولات الكروية الدولية التي تتكرر في الصيف. بغض النظر عما يقوله من نصبوا أنفسهم "حراس القيم والأخلاق" في مجتمعنا فإن متابعة كرة القدم ليست ترفا وليست انجرارا وراء موجة العولمة والغزو الثقافي. يتابع الأردنيون والعرب كرة القدم منذ عقود وكذلك كل العالم لأن هذه اللعبة باتت واحدة من الوسائل المناسبة للتسلية والترفيه بل حتى التجمعات العامة ، ونذكر تماما أن كأس العالم 2006 كانت حاضرة بقوة في كل المجتمعات العربية وحتى في غزة المحاصرة وكان بعض نواب حماس يتابعون المباريات بشغف. في البطولة الحالية للأمم الأوروبية الكثير من المشاهد التي تستحق التعليق ولكن أهمها أن البطولة عكست مرة أخرى مدى النجاح الأوروبي في الإندماج والوحدة بحيث تحولت المباريات إلى مهرجانات من الفرح والسعادة وغابت الصراعات والمشاكل بين الجماهير واللاعبين وكان هناك التزام عال جدا بأخلاقيات اللعبة. وبالرغم من الأخطاء المؤثرة للكثير من الحكام والتقلبات الدرامية في الأحداث التي يمكن أن تجعل أي لاعب أو مشجع يفقد أعصابه فإن الروح الرياضية بقيت سائدة. ومن أجمل المشاهد التي نراها في المباريات هي المصافحة والإبتسامة والاحترام الذي يسود اللاعبين المتنافسين بعد نهاية المباراة وهم الذين تصارعوا بشدة أثناءها ولكن كل ذلك ضمن اطار من احترام الآخر.
ان الدراما التي شهدتها مثلا مباراة كرواتيا وتركيا والتي تجلت في انتزاع تركيا هدف التعادل من الفريق الكرواتي في آخر تسديدة من المباراة وبعد ذلك الفوز في الضربات الترجيحية كانت أكبر من قدرة الكثيرين على الاحتمال ومع ذلك تقبل اللاعبون والجماهير الكرواتية ما حدث ولم تكن هناك مشاكل بين الجمهور التركي والكرواتي بالرغم من وجود حساسيات دينية وعرقية تعود إلى أيام التواجد العثماني في البلقان.
منتخبات ألمانيا والنمسا وكرواتيا وبولندا لعبت معا بكل روح رياضية بعد عقود ليست طويلة من مذابح عرقية وسياسية شهدتها صراعات هذه الدول مع بعضها في الحرب العالمية الثانية ، وسوف تلعب الليلة ألمانيا مع تركيا في مباراة مشحونة خاصة بعد أن اخترق الأتراك بشجاعتهم وكفاحهم نادي النخبة الأوروبي الكروي قبل اختراق الاتحاد الأوروبي الاقتصادي والسياسي.
الفريق الروسي بأدائه المذهل صنع مجدا جديدا للدولة التي تجاهد للعودة إلى صدارة القرار الأوروبي والعالمي وفخر الجماهير الروسية بلاعبيها الذين تلاعبوا بأغلى اللاعبين الأوروبيين كان كبيرا جدا وكذلك الحال بالنسبة لفخر الجماهير التركية بمنتخبها الذي يمثل هوية سياسية وثقافية خاصة لدولة تحقق نموا ونهضة يثيران الإعجاب في كل الميادين.
حتى الخاسرون في البطولة فتحوا الملفات بكل صراحة. الطليان استاؤوا من سيادة العقلية الدفاعية لفريقهم التي جعلته أكثر الفرق مللا كما أن الفرنسيين شعروا بأن منتخبهم اصبح بمثابة "أرملة" بعد اعتزال زين الدين زيدان ولا يزال يبحث عن هوية. أما البرتغاليون فقد غضبوا من غياب تركيز لاعبهم الموهوب كريستيانو رونالدو الذي تقدر قيمته بحوالي 120 مليون يورو حيث كان مهتما بالانتقال إلى ناد جديد أكثر من تركيزه على دعم منتخب بلاده بأداء فعال.
نشاهد هذه المباريات ونتحسر على حال منتخبنا التائه بين تنافس الأندية وضعف الجهاز التدريبي وعلى حال الكرة العربية التي شهدت فوز فريق من اللاعبين المجنسين من إفريقيا وأميركا اللاتينية يلعبون باسم قطر على المنتخب العراقي الذي أحبط جماهيره المتعطشة لأية مساحة من الفرح ، وعلى حال منتخبات مصر والمغرب وتونس التي خسرت من مالاوي ورواندا وبوركينا فاسو في تصفيات إفريقيا لكأس العالم.
يتقدم العالم في مجالات الرياضة والحضارة ونحن نتراجع ولا نزال نخوض حروب داحس والغبراء سواء داخل الدولة الواحدة بين الأندية أو بين الدول المختلفة. اللاعبون المحترفون يتصافحون باحترام وتقدير بعد ربع نهائي كأس الأمم الأوروبية ولاعبونا يتعاركون بعد مباراة في درع الاتحاد الأردني أو في دوري الدرجة الثانية. وهذا هو الفارق بين الرياضة التي تثير الفخر والرياضة التي تثير العار.
batir@nets.jo
الدستور.