الفشل الاميركي اذ يتواصل .. اغلاق فضائية (الحرة) .. نموذجاً!
محمد خروب
25-06-2008 03:00 AM
لم يكن من الطبيعي، ان يغادر بوش البيت الابيض بعد ستة اشهر من الان، فيما تواصل فضائية الحرة الاميركية الناطقة باللغة العربية بثها، وهي الممولة بأموال دافع الضريبة الاميركي والهادفة لخدمة السياسة الخارجية لادارة بوش، والترويج للقيم الغربية دون ان تبرهن للحظة واحدة انها معنية بتقديم الحقيقة، التي هي من حق الجمهور، ودون ان تُظهر أي مستوى معقول من المهنية والاحتراف والأخذ باسباب التنافس، عندما رأت ان الفضاء الاعلامي يتسع لها وبخاصة ان هدفها منذ ان تمت انطلاقتها في شباط 2004 هو جذب جمهور المشاهدين العرب، الذي تهيمن عليه قناة الجزيرة، التي لم تنجح أي فضائية ناطقة بالعربية ان تقترب من حجم مشاهديها، رغم كل الاموال، التي تضخ لدفعها الى الامام، وقد يكون مفاجئاً لكثيرين ان ادارة بوش انفقت على الحرة منذ اطلاقها حتى الان ما يقارب (350) مليون دولار، دون ان تحوز على قاعدة من المشاهدين تتجاوز 2%، فيما يتخطى مشاهدو الجزيرة عتبة 54% مقارنة بـ 9 يشاهدون قناة العربية، وفق استطلاع الرأي المشترك الذي قامت به جامعة ميرلاند ومؤسسة زغبي انترناشيونال..انتهت الحرة الى المصير الذي آلت اليه مجلة هاي (هل تذكرونها؟)، عندما تفتقت اذهان خبراء علم النفس وعلم النفس الاجتماعي وعلم نفس الجماهير ودهاقنة الاعلام، ان الوسيلة لكسب عقول وقلوب الشباب العربي هو اصدار مجلة فرايحية لهم، تبعدهم عن هموم السياسة ودهاليز العمل الحزبي، وتأخذهم بعيداً عن الاهتمام بالعلم والابتكار والقراءة والانخراط في هموم شعوبهم والنضال من اجل الارتقاء بهم معيشياً، صحياً وتعليمياً، وخصوصاً تبني اساليب عصرية في التعليم الاساسي والجامعي، يقوم على الفكر النقدي، بعيداً عن اساليب التلقين والتعليم البدائي، الذي ما يزال شائعاً في مدارس العرب وجامعاتهم، حتى تلك التي تحشر العلوم والتقنية والتكنولوجيا في اسمائها وعلى يافطاتها وشهاداتها!!..
فجاءت مجلة هاي الشهرية احدى مبتكرات عصر ما بعد الحادي عشر من ايلول، الذي دشنه جورج دبليو بوش باعلان الحرب العالمية على الارهاب، وخطوة اولى على طريق تكريس القرن الامبراطوري الاميركي الجديد، ووضع نظريته القائلة بشن الحروب الوقائية والضربات الاستباقية، موضع التنفيذ وتقسيم العالم الى محورين، احدهما للاخيار الذين يقف على رأسهم بوش وشارون رجل السلام الاسرائيلي وتوني بلير البريطاني وسيلفيو بيرلسكوني الايطالي وجون هاوارد الاسترالي والاسباني خوسيه اثنار.. وآخر هو معسكر الاشرار الذي يضم بالاساس الاسلام الفاشي وكوريا الشمالية، ايران والعراق (لاحقاً سوريا ودائما كوبا)...
سقطت هاي ضحية السذاجة والقراءة العقيمة والانتقائية للتاريخ والتصورات الاستعمارية والاستعلائية والعنصرية، التي حكمت وما تزال كل القوى الاستعمارية التقليدية وتلك الحديثة، وخصوصاً الولايات المتحدة التي تفردت بقيادة العالم في اوائل تسعينات القرن الماضي، بعد انتصارها في الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي وانهيار حلف وارسو، وما ساد روسيا من فوضى وفساد طوال عقد من السنين حتى وصول جورج بوش واسياده من المحافظين الجدد بداية القرن الجديد الى البيت الابيض..
ثلاثية الاعلام المقروء (هاي) المرئي (الحرة) والمسموع (سوا)، الذي اراد خبراء الاعلام والعلاقات العامة الاميركية (يساعدهم في ذلك اتباعهم في المنطقة العربية)، ان يغزو بها البلاد العربية متزامنة مع الغزو العسكري الذي بدأ بالعراق (قبله كانت افغانستان)، وكان الغزو الثقافي قد سبقه كل ذلك بعقود، على شكل الترويج للنموذج الاستهلاكي الاميركي، تحت الشعار المضلل الحلم الاميركي الذي بدا للبعض، وخصوصاً في العالم العربي، انه الطريق لاعتلاء القمة في الحكم أو السياسة أو دائرة رجال المال والاعمال، وغيرها من تلك المهن والوظائف والمواقع التي تشترط ان يكون شاغلها من يرطن بالانجليزية على الطريقة الاميركية..
سقطت هاي المجلة المصقولة الورق سخيفة المحتوى، وجاء فشلها مدوياً، فلم تجذب شاباً عربياً ولم تقع في سحرها شابة عربية، وها هي الحرة، فضائية فارغة منحازة ايديولوجية تنفذ اجندة الادارة الاميركية، قد وصلت الى طريق مسدود، لم يعد بمقدور اصحابها ايجاد المزيد من الذرائع والاكاذيب للتغطية على فشلها،الذي حمّلوه ذات يوم للاعلامي اللبناني المتأمرك موفق حرب، الذي اتهم بملء المحطة باصدقائه اللبنانيين ومن طائفة معينة، ثم ما لبث الاميركي لاري ريسجترز الذي حل محل حرب، ان أُجبر على الاستقالة بذريعة اذاعة خطاب للسيد حسن نصر الله على الهوء مباشرة (من دون تحرير)، ولم تنطل كذبة اخرى اخترعوها بأن 8% من المصريين (7 ملايين تقريبا) يشاهدون الحرة، حتى جاءت ساعة الحقيقة الان وها هو نعيها قد اقترب واستعد اصحابها لدفنها قريباً..
ماذا عن راديو سوا؟... لا داعي للسؤال، اذا كانت المجلة قد اغلقت والفضائية قد كُتمت أنفاسها، فإن الراديو الذي لا يسمعه أحد، سينتهي غير مأسوف عليه، لكن الشماتة تبقى كبيرة وواجبة، في اولئك الذين ما زالوا أسرى الايديولوجيا والتعصب والعقلية الاستعمارية في البيت الابيض ودوائر صنع القرار الاميركي، فيما هم يزعمون انتهاء عصر الايديولوجيات في اشارة الى الشيوعية وليس الى الشرور الكامنة في الرأسمالية والامبريالية لاحقا، والليبرالية المتوحشة راهناً التي تواصل جرائمها بلا ضوابط او التزام بأي من المعايير والقيم الانسانية والقانونية.
kharroub@jpf.com.jo
الراي