انتهت الاعتمادات المالية المخصصة لفضائية " الحرة" التي أسسها الغزاة الامريكيون لبلادنا. وهي لن تتجدد لأن القناة التي أرادت واشنطن منها القيام بنشر وجهات النظر و" القيم" الامريكية, لم تستطع المنافسة, ولم تحظ باكثر من 2 بالمئة من تفضيل المشاهدين, رغم إنفاق 350 مليون دولار عليها منذ .2004
نحن, إذن, بإزاء اعتراف صريح بالهزيمة الأيديولوجية للولايات المتحدة. وهي أفدح الهزائم بالنسبة لأية إمبراطورية أو نظام . ذلك أن هناك نوعين من السلطة, حسب الفيلسوف الايطالي انطونيو غرامشي : أولهما سلطة " الهيمنة " وهي الأقوى والأكثر ديمومة. وهي سلطة الأيديولوجية, ووسيلتها الإقناع والقبول, أي ما يمكن تلخيصه بالنفوذ الأدبي أو المعنوي, وثانيهما سلطة " السيطرة". وهي تقوم على وسائل القهر المادي بما فيها العنف. وهي سلطة مؤقتة تسقط بتغيير موازين القوى القهرية.
وجهات النظر والسياسات الامريكية, ليست فقط غير مقبولة في العالم العربي, انها, أيضا, مدانة ومشبوهة, ولا يمكن تمريرها مباشرة, وإنما بوساطة أيديولوجيات قديمة وفائتة كالعصبيات الدينية و الطائفية والمناطقية والجهوية وعصبيات الدم الخ فالأيديولوجيات القريبة أو المأخوذة من الأيديولوجية الامريكية, كالأيديولوجية الليبرالية الجديدة ¯ وهي الطبعة العالمثالثية من أيديولوجية المحافظين الجدد الامريكيين ¯ لا حظ لها من النفوذ المعنوي في بلادنا.
كل البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية, الامريكية أو المتأمركة, تتحرك ضمن آليات " السيطرة" العنفية أو الإدارية, ولا يوجد لها مؤيدون راسخون في البنى الاجتماعية المحلية. وهي تشهد هزائم متكررة شاملة على صعيد " العقول والقلوب ".
والدرس المستفاد, هنا, هو أنه لا يمكن القيام بدعاية مؤثرة لسياسات معادية للأكثرية. ففي مطلع الألفية, كانت الأيديولوجية الامريكية الداعية إلى الليبرالية الاقتصادية والسياسية, تجتذب قطاعات من النخب والجماهير العربية, لكن انقلب. الوضع بسبب ¯ 1 ¯ الغزو الامريكي وجرائمه الوحشية وفوضاه في العراق, ¯ 2 ¯ والتحالف مع العدوان " الإسرائيلي" ضد الشعبين اللبناني والفلسطيني, ¯ 3 ¯ و الفشل الذريع لسياسات الخصخصة التي حولت الأغلبيات, خلال عقد ونصف العقد, إلى مجاميع من الجوعى والفقراء والعاطلين والمهمشين.
لم تعد الولايات المتحدة حلما, وإنما كابوسا, وانكشف ما تسميه " الحرية" عن دعوة إلى عبودية الاستعمار والسوق, وانكشفت كذبة الاستثمارات عن آلية لهدر ونهب الموارد الوطنية لصالح تكتلات من المتنفذين ورجال الأعمال.
في خمس سنوات, حرق العرب, عدة مراحل في مسيرة تحرير وعيهم من تأثير الأيديولوجية الامريكية. وكانت مقاطعة فضائية " الحرة", انعكاسا بسيطا لتفاعلات تجري الأصعدة الأعمق في الوعي الجمعي العربي.
نهاية " الحرة" تؤذن بنهاية إمبراطورية العبودية.0
العرب اليوم.