في بدايات الانفجار العربي قبل خمس سنوات هي بمقياس التقاويم الحضارية لا الجغرافية خمسة عقود، قالت بعض النظم انها ليست هشّة كسواها بحيث تلاقي المصير ذاته، والاستثناء عندما يتحول الى وهم يصبح سببا لهلاك من يتورط به، فالدول احيانا تشبه الافراد الذين يشحّ لديهم الخيال فيتصوروا انهم الاستثناء من المرض والشيخوخة واخيرا الموت الى ان تازف اللحظة التي تبدد الاوهام كلها.
لكن المرحلة الثانية التي بدأ العالم العربي يعيشها بعد مرحلة اوهام الاستثناء هي المُقايَسة والمقارنة بما انهار من دول ما تمزق نسيجه من المجتمعات، فثمة من يحمدون الله على مدار الساعة لأنهم ليسوا العراق وليبيا وسوريا ظنّا منهم ان الفيروس الذي عبر الحدود كلها سوف يتوقف ويعتذر عند حدودهم، هكذا تراجعت المطالب والاحلام بحيث اصبح سعيدا ويعيش في يوتوبيا من لم يحدث له ما حدث للعراق واشقائه في المحن، وهذا النمط من المفاضلة بين الموتى والمرضى الذين يعيشون في طور الاحتضار شمل مناحي حياتنا كلها، فالسيء يزهو اما الأسوأ والقزم يبدو في نظره ماردا لأنه يقارن قامته بمن هو اقصر منه، وتمضي هذه المتوالية حتى نهاياتها.
فقد تكون المرحلة الثالثة القادمة هي تغنّي الاقطار العربية بأنها ليست فلسطين وانها ليست مٌحتلّة ولا تقضم ارضها المستوطنات، وبراءة الاختراع الاعلامية التي حصل عليها العرب المعاصرون والمعصورون حتى النّخاع تتلخص في ان المرضى يأكلون موتاهم، فالعافية مطرودة من هذه المتوالية الكوميدية، فالعربي غنيّ اذا كان شقيقه معدما وهو مستقلّ وحُرّ وقوي الشكيمة اذا كان ابن عمه اسيرا وخالته في السجن وابناء عمومته كلهم محاصرين وجياعا ومشردين.
انه الاعلام ذاته الذي وجد ضالته في الحصول على ادنى مستويات الدخل والصحة في افريقيا كي يقارن المرضى بالموتى، ثم يبشرهم بأنهم في احسن حال، لأن من يرى مصائب غيره تهون عليه مصائبه، ونحن نتوسل بل نتسول حل من فقهاء هذه الثقافة ليدلونا على مخرج من المدار المغلق، وقد تشهد المواسم القادمة منافسات اعلامية بين العرب يزهو فيها الفقير على المعدم، ومن يستطيع كتابة اسمه فقط على الامي!
الدستور