السعودية .. ومجموعة النمور العربية الجديدة
عدنان الروسان
09-01-2016 01:14 PM
تستحق السياسة السعودية الجديدة قراءة متأنية ومحايدة وبعيدة عن أي نظرة سابقة فالتغير الذي طرأ على السياسات السعودية في الآونة الأخيرة يمكن اعتباره تغيرا جذريا ونمطا جديدا مختلفا عما جرت عليه العادة في العقود الطويلة الماضية، والنقطة الهمة هنا ليست مقارنة الحاضر بالماضي ولكن فهم الأسباب والظروف التي جعلت النظام السياسي السعودي يجري هذا التغيير الراديكالي في بنيته السياسية التحتية وفي hستراتيجيته تجاه قضايا الخليج والمنطقة، المتغير السعودي الجديد كان واحدا من أكثر الثوابت في المنطقة وحزم الأمر نحو التغيير لا بد أنه كان نتاجا لمتغيرات أخرى خارجة عن إرادة السعوديين، ومن هنا ربما يمكن البدء في البحث عن الأسباب والدوافع.
لقد كان للاتفاق النووي الأمريكي مع إيران وقع الصاعقة على الحليف السعودي الذي كان يظن أن الحليف الأمريكي لا يمكن أن يبرم هكذا صفقة دون التشاور معه واستطلاع رأيه وتأمين مصالحه الحيوية في المنطقة، غير أن الولايات المتحدة الأمريكية وعلى عادتها لم تكن لتحفل بأي حليف حتى لو كان من الكبار حينما يتعلق الأمر بسياسات واستراتيجيات تتعلق بالمصلحة الأمريكية، ومن هنا فقد تولد كم كبير من الغضب السعودي المكبوت تجاه السياسات الأمريكية من ناحية كما بدا السعوديون يفكرون في شكل إيران الجديد الذي سيكون أكثر اندفاعا نحو تصدير الثورة إلى دول الجوار وإلى العالم العربي كله، والإيرانيون لا يخفون هذا التوجه بل كانوا صريحين فيه وأعلنوه مرارا وتكرارا على الملأ، وبالتأكيد فإن السعودية الدولة العربية الأكبر مساحة ربما والأغنى بالثروات والأوسع نفوذا في العالم العربي والإسلامي لن تقبل بأن يهمش دورها بهذه الصورة وهذه السرعة وبالتالي فقد وجدت السعودية نفسها مكشوفة تماما أماl تحديات كبيرة في المنطقة الخليجية والعربية.
الملفان السوري واليمني أوصلا السعودية إلى نتيجة مفادها أنها باتت وحيدة أمام التحديات التي تفرضها المتغيرات الجديدة وبالتالي لابد من إيجاد تحالفات بديلة ووضع إستراتيجية جديدة تستطيع السعودية من خلالها التصرف بحرية بعيدا عن قديم تحالفاتها وهذا وضعها أمام خيارات جديدة جعلتها تتوجه إلى تركيا وباكستان وقطر وعدد من الدول الإسلامية لخلق نواة لتحالف سني جديد قادر على الوقوف في وجه التدفق الشيعي في المنطقة وتحجيم الأحلام الإيراني في خلق حالة من السيولة السياسية والأمنية في شتى أرجاء المشرق العربي والخليج تتمكن من خلاله من إيجاد حركات مسلحة حليفة على غرار اليمن ولبنان وسوريا تستطيع من خلالها تحقيق مشروعها الذي تعد له منذ سنين طويلة.
و رغم أننا نأمل أن تحل كل الإشكالات بصورة دبلوماسية بين العالم العربي وعلى رأسه السعودية وبين إيران إلا أننا نرى أن من حق السعودية بل من واجبها أن تخلق بنية سياسية أمنية جديدة قادرة على الفعل ومبنية على قواعد صلبة ترتكز ليس على مبدأ الفزعة فقط بل على مجموعة من المصالح المشتركة السياسية والأمنية والاقتصادية، وربما يكون من المفيد النظر بصورة جدية إلى ضم الأردن إلى البنية بحيث يصبح الأردن جزءا لا يتجزأ إما من المنظومة الخليجية التي لا بد من إعادة النظر فيها لتكون أكثر فاعلية وأكثر قوة، وأيضا لأن الأردن يمتلك من الخبرات السياسية والعسكرية ما يؤهله ليكون شريكا فاعلا يعتمد عليه بصورة مباشرة خاصة وأن مابين السعودية ودول الخليج عامة من جهة والأردن من جهة أكثر من عامل يجعل من التعاون بينها تعاونا يمكن الوثوق به والركون إليه.
الأردنيون في مجملهم ومعظمهم كانوا دائما من الطامحين إلى صلات أكثر عمقا وأكبر حجما مع السعودية لأسباب جغرافية وسياسية وفكرية وتاريخية وتتوفر لديهم الرغبة الصادقة والجادة ليكونوا حليف استراتيجيا للسعودية والخليج، وقد أثبت التاريخ الحديث جاهزية الأردن للتدخل حيثما تعرض أمن الخليج للخطر بهدوء ودون ضجيج إعلامي أو تمنن على أحد، ومن شأن حلف قوي صلب بين الأردن والخليج وربما تركيا أن يحبط مخططات الجهة المقابلة ويجعل مواقفها أقل قوة وربما ضعيفة إلى الحد الذي يدفعها إلى التراجع عن المواقف العدائية التي تبديها الآن وهذا بدورة قد يعيد المنطقة تدريجيا إلى أجواء التهدئة التي يمكن من خلالها معالجة الخلل الطارئ بسبب تغير التحالفات الإقليمية والدولية التي أشرنا إليها سابقا.
الموقف السعودي الجديد الذي تبدى أكثر حزما وقوة من الماضي موقف يلقى تفهما من الغالبية العظمى من العرب على الصعيد الشعبي وربما على الصعيد الرسمي وإن بصورة متفاوتة، وقد كان من الواضح أن السعودية لن تكون قادرة على السكوت عن التهديدات التي تأتيها من الجنوب الحوثي ومن الجوار الإيراني وتأثيره على النسيج الاجتماعي في السعودية ودول الخليج خاصة وقد تبدى أن إيران تعتبر أن كل شيعي في أي دولة ولو لم يكن إيرانيا وكأنه يحمل جنسيتها وهي مسئولة عما يحصل له، وهذا بالتأكيد موقف خطير قد يقلب كل الموازين والرؤى السياسية لأن إيران لديها أكثر من عشرة ملايين سني عربي في الأهواز والمدن الإيرانية ولو أراد الشارع السني أن يتعامل بالمثل أو اضطر لذلك لرأينا أن المنطقة ستعج بالحركات الجديدة المسلحة والتدخلات من دول سنية في الشأن الداخلي الإيراني والتي ستضر بالداخل الإيراني بكل تأكيد.
ربما يدرك الجميع أنه إذا ما تعمقت الفوضى القائمة في المنطقة وحالة الاستقطاب من جميع الأطراف فإن النتيجة لن تكون محسومة لأحد على أحد، ولن يكون هناك منتصرين وخاسرين، بل سيكون هناك خاسرين فقط وعلى كلا الجانبين وتغليب العقل والحكمة على الأطماع والتوسعات سيكون الحل الأمثل لجميع الفرقاء، ولكن بكل تأكيد لن يستطيع أحد لوم السعودية على تدخلها العسكري في اليمن ولا على مواقفها الحادة من إيران لأن النظام السعودي وبشهادة الخصوم والأصدقاء نظام حليم بطيء الغضب سريع النسيان ولكن من الواجب أن نتذكر أن على الجميع أن يتذكروا مقولة "احذر الحليم إذا غضب ".